وفي حَديثِ فتَى غَسّانَ موعظةٌ=
لكلِّ ذي نَغرَةٍ يأبى تَناسيها
فما القَوِيُّ قَوِيّاً رغم عِزَّته=
عند الخُصومَةِ والفارُوقُ قاضيها
وما الضَّعيفُ ضعيفاً بعد حُجَّتِه=
وإنْ تَخاصَمَ واليها وراعيها
وما أقَلْتَ أبا سُفيانَ حين طَوى=
عَنكَ الهديةَ مُعَتّزاً بمُهديها
لم يُغنِ عنه وقد حاسَبْتَه حَسَبٌ=
ولا مُعاويةٌ بالشامِ يَجبيها
قَيَّدْتَ منه جَليلاً شاب مَفرِقُه=
في عِزِّةٍ ليس من عِزٍّ يُدانيها
قد نوَّهُوا باسمِه في جاهِلّيتِه=
وزادَه سَيِّدُ الكَونَينِ تنويها
في فَتحِ مَكّةَ كانت دارُه حَرَماً=
قد أمَّنَ اللهُ بعدَ البيتِ غاشِيها
وكلُّ ذلك لم يَشفعَ لدى عُمَرٍ=
في هفوةٍ لأبي سُفيانَ يأْتيها
تاللهِ لو فَعَلَ الخَطّابُ فَعلَتَه=
لمَا تَرَخَّصَ فيها أو يُجازيها
فلا الحَسابَةُ في حَقٍّ يُجامِلُها=
ولا القَرابةُ في بُطلٍ يُحابيها
وتلكَ قُوّةُ نفسٍ لو أراد بها=
شُمَّ الجِبالِ لمَا قَرّت رَواسيها
سَلْ قاهِرَ الفُرسِ والرُّومانِ هل شَفَعَتْ=
له الفُتوحُ وهل أغنَى تَواليها
غَزَى فأبْلى وخَيْلُ اللهِ قد عُقِدت=
باليُمنِ والنَّصْرِ والبُشْرَى نَواصِيها
يَرمي الأعادي بآراءٍ مُسَدَّدَةٍ=
وبالفَوارسِ قد سالَتْ مَذاكيها
ما واقَعَ الرُّومَ إلاّ فَرَّ قارِحُها=
ولا رَمَى الفُرسَ إلاّ طاشَ راميها
ولم يَجُزْ بَلدَةً إلا سَمِعْتَ بها=
اللهُ أكبرُ تَدوي في نَواحيها
عِشرُونَ مَوقِعَةً مَرّتْ مُحَجَّلةً=
من بعد عَشرٍ بَنانُ الفَتحِ تُحْصيها
وخالدٌ في سَبيلِ اللهِ مُوقِدُها=
وخالدٌ في سَبيلِ الله صاليها
أتاهُ أمْرُ أبي حَفصِ فقبَّلَه=
كما يُقَبِّلُ آيَ اللهِ تالِيها
واستَقْبَلَ العَزْلَ في إبّانِ سَطْوَته=
ومَجْدِه مُسْتَريحَ النَّفسِ هاديها
فاعجَب لسَيِّدِ مَخُزومٍ وفارِسِها=
يومَ النِّزالِ إذا نادَى مُناديها
يَقُودُه حَبَشيٌّ في عِمامَتِه=
ولا تُحرَّكُ مَخزُومٌ عَواليها
ألْقَى القِيادَ إلى الجَرّاحِ مُمْتَثِلاً=
وعِزّةُ النَّفْسِ لم تُجْرَحْ حَواشيها
وانضَمَّ للجُند يَمشي تحتَ رايَتِه=
وبالحياةِ إذا مالَتْ يُفَدِّيها
وما عَرَتْه شَكوكٌ في خَليفَتِه=
ولا ارتَضَى إمَرةَ الجَرّاحِ تَمويها
فخالِدٌ كان يَدري أنّ صاحِبَه=
قد وَجَه النَّفسَ نحوَ اللهِ تَوجيها
فما يُعالِجُ من قَولٍ ولا عَمَلٍ=
إلاّ أرادَ به للنّاسِ تَرفيها
لذاكَ أوْصَى بأولادٍ له عُمَراً=
لمّا دَعاهُ إلى الفِرْدَوسِ داعيها
وما نَهَى عُمَرٌ في يومِ مَصرعِه=
نِساءَ مَخزومَ أن تَبكي بَواكيها
وقيل: خالَفتَ يا فاروقُ صاحِبَنا=
فيه وقد كان أعطى القَوسَ باريها
فقال: خِفتُ افتِتانِ المُسلمين به=
وفِتنةُ النَّفسِ أعيَت مَن يُداويها
هَبوه أخطَأَ في تَأْويلِ مَقصِدِه=
وأنّها سَقطَةٌ في عينِ ناعيها
فلن تَعيبَ حَصيفَ الرأيِ زَلّتُه=
حتى يَعيبَ سُيوفَ الهِندِ يَطويها
تاللهِ لم يَتَّبعْ في ابنِ الوَليد هَوىً=
ولا شَفَى غُلَّةً في الصَّدْرِ يَطويها
لكنّه قد رأى رَأياً فأتبعَه=
عَزيمَةً منه لم تُثْلَمْ مَواضيها
لم يَرعَ في طاعَةِ المولى خُؤُولَتَه=
ولا رَعى غيرَها فيما يُنافيها
وما أصابَ ابنُه والسَّوْطُ يأخُذُهُ=
لَدَيه من رَأْفَةٍ في الحَدِّ يُبديها
إنّ الذي بَرَأَ الفاروقَ نَزَّهَه=
عن النَّقائِصِ والأغراضِ تَنْزيها
فذاكَ خُلقٌ مِنَ الفِردَوسِ طينَتُه=
اللهُ أوْدَعَ فيها ما ينَقِّيها
لا الكِبْرُ يَسْكُنُها، لا الظُّلمُ يَصحَبُها،=
لا الحِقدُ يَعرِفُها، لا الحِرصُ يُغويها
شاطَرتَ داهَيةَ السُّوَاس ثَرَوتَه=
ولم تَخَفه بمِصرٍ وهو والِيها
وأنتَ تَعِرفُ عَمراً في حَواضِرِها=
ولستَ تَجهَلُ عَمراً في بَواديها
لم تُنبِت الأرضُ كابن العاصِ داهيةً=
يَرمي الخُطوبَ بَرأيٍ ليسَ يُخطِيها
فلم يُرِغ حِيلَةً فيما أمَرتَ به=
وقامَ عَمروٌ إلى الأجمالِ يُزجِيها
ولم تُقِلْ عامِلاً منها وقد كَثُرَتْ=
أموالُه وفَشا في الأرضِ فاشيها
وما وَفى ابنُكَ عبدُ اللهِ أَيْنُقَه=
لمّا اطَّلَعْتَ عليها في مَراعيها
يَنها في حِماهُ وهي سارِحَةٌ=
مِثلَ القُصور قد اهتَزَّت أعاليها
فقلتَ: ما كان عبدُ الله يُشبِعُها=
لو لم يكن وَلَدي أو كان يُرويها
قد استعانَ بجاهي في تِجارَتِه=
وباتَ باسمِ أبي حَفصٍ يُنَميِّها
رُدّوا النِّياقَ لبيتِ المالِ إنّ له=
¥