حَقَّ الزِّيادَةِ فيها قَبل شاريها
وهذه خُطّةٌ للهِ واضِعُها=
رَدَّتْ حُقوقاً فأغنَت مُستَميحيها
ما الإشتراكيَّةُ المُنشودُ جانِبُها=
بين الورى غيرَ مَبنىً من مَبانيها
فإنْ نكن نحن أهليها ومنبِتَها=
فإنّهم عَرَفُوها قبل أهليها
جَنَى الجَمالُ على نَصرٍ فغَرَّبَه=
عَنِ المَدينةِ تَبكِيه ويَبكيها
وكم رَمَت قَسماتُ الحُسنِ صاحِبَها=
وأتعَبَتْ قَصَبَاتُ السَّبقِ حاويها
وزهرةُ الرَّوضِ لولا حُسنُ رونقِها=
لمَا استَطالَتْ عليها كفُّ جانيها
كانت له لِمَّةٌ فَينانَةٌ عَجَبٌ=
على جَبينٍ خَليق أنْ يُحَلّيها
وكان أنَّى مَشَى مالَتْ عَقَائِلُها=
شَوقاً إليه وكادَ الحُسنُ يَسبيها
هَتَفَنَ تحتَ اللّيالي باسمِه شَغَفاً=
وللحِسانِ تَمّنٍّ في لَياليها
جَزَزتَ لِمَّتَه لمّا أُتِيتَ به=
ففاقَ عاطِلُها في الحُسنِ حاليها
فَصِحْتَ فيه تَحَوَّلْ عن مَدينَتِهِم=
فإنّها فِتنَةٌ أخشى تَماديها
وفِتنةُ الحُسنِ إنْ هَبَّتْ نَوافِحُها=
كفِتنَةِ الحَربِ إنْ هَبَّتْ سَوافيها
وراعَ صاحبُ كسرى أنْ رأى عُمَراً=
بين الرَّعيّةِ عُطلاً وهو راعيها
وعَهدُه بمُلوكِ الفُرسِ أنّ لها=
سُوراً من الجُندِ والأحراسِ يَحميها
رآه مُستَغرقاً في نَومِه فَرأى=
فيه الجَلالَة في أسمَى مَعانيها
فوقَ الثَّرَى تحتَ ظِلِّ الدَّوحِ مُشتَمِلاً=
بُبردَةٍ كادَ طُولُ العَهدِ يُبليها
فهانَ في عَيِنه ما كان يُكبِرُه=
مِنَ الأكاسِرِ والدّنيا بأيديها
وقال قَوَلَةَ حَقٍّ أصبَحَتْ مَثَلاً=
وأصَبَحَ الجيلُ بعدَ الجيلِ يَرويها:
أمِنتَ لمّا أقَمتَ العَدلَ بينهُمُ=
فنِمتَ نَومَ قَريرِ العَينِ هانيها
يا رافِعاً رايةَ الشُّورَى وحارِسَها=
جَزاكَ رَبُّكَ خَيراً عن مُحِبِّيها
لم يُلهِكَ النَّزْعُ عن تأييدِ دَولَتها=
وللمَنِيَّةِ آلامٌ تُعانيها
لم أنسَ أمركَ للمِقدادِ يَحمِلُه=
إلى الجَماعةِ إنذاراً وتَنبيها
إِنْ ظَلَّ بعد ثَلاثٍ رأْيُها شُعَباً=
فجَرِّدِ السَّيفَ واضرِبْ في هَواديها
فاعجَبْ لقوّةِ نَفسٍ ليسَ يَصرِفُها=
طَعمُ المَنِّيةِ مُرّاً عن مَراميها
دَرَى عميدُ بني الشُّورَى بمَوضِعِها=
فعاشَ ما عاشَ يَبنيها ويُعليها
وما استَبَدَّ برأْيٍ في حُكومَتِه=
إنّ الحُكومَةَ تُغري مُستَبِدِّيها
رأيُ الجّماعةِ لا تَشقَى البِلادُ به=
رغم الخِلافِ ورَأْيُ الفَردِ يُشقيها
يا مَن صَدَفتَ عن الدُّنيا وزِينَتها=
فلم يَغُرَّكَ من دُنياكَ مُغريها
ماذا رأيتَ بباب الشامِ حين رَأوْا=
أنْ يُلبِسُوكَ مِن الأثوابِ زاهيها
ويُرْكِبُوكَ على البِرذَونِ تَقدمُهُ=
خَيلٌ مُطَهَّمَةٌ تَحلُو مَرائيها
مَشى فهَملَجَ مُختالاً براكبِه=
وفي البَراذِينِ ما تُزهى بعاليها
فصِحتَ: يا قوم، كادَ الزَّهوُ يَقتُلُني=
وداخَلَتنِيَ حالٌ لستُ أدْريها
وكادَ يَصبُو إلى دُنياكُمُ عُمَرٌ=
ويَرتَضي بَيعَ باقيهِ بفانيها
رُدُّوا رِكابي فلا أبغي به بَدَلا=
رُدُّوا ثيابي فحَسبي اليومَ باليها
ومَن رآهُ أمامَ القِدْرِ مُنبَطِحاً=
والنارُ تَأْخُذُ منه وهو يُذْكيها
وقد تَخَلَّلَ في أثناءِ لِحَيتِهِ=
منها الدُّخانُ وَفُوهُ غابَ في فيها
رأى هُناكَ أميرَ المُؤمنين على=
حالٍ تَرُوعُ ـ لَعَمرُ اللهِ ـ رائيها
يَستَقبِلُ النارَ خَوفَ النارِ في غدِهِ=
والعَينُ من خَشيَةٍ سالَتْ مَآقيها
إنْ جاعَ في شِدّةٍ قَومٌ شَرِكتَهُم=
في الجوعِ أو تَنجلَي عنهم غَواشيها
جُوعُ الخَليفَةِ ـ والدُّنيا بقَبضَتِه ـ=
في الزُّهدِ مَنزِلَةٌ سبحانَ مُوَليها
فمَن يُباري أبا حَفصٍ وسيرَتَه=
أو مَن يُحاولُ للفاروقَ تَشْبيها
يومَ اشتَهَتْ زَوجُه الحَلوى فقال لها:=
من أينَ لي ثَمَنُ الحلوى فأشريها
لا تَمتَطي شَهَواتِ النَّفسِ جامِحَةً=
فكِسرَةُ الخُبز عن حَلواكِ تَجزيها
وهل يَفي بيتُ مالِ المُسلمينَ بما=
تُوحي إليك إذا طاوَعتِ مُوحيها
قالت: لكَ اللهُ إنِّي لستُ أَرزَؤُه=
مَالاً لحاجَةِ نفسٍ كنتُ أبغيها
لِكنْ أُجنِّبُ شيْئاً مِن وَظِيفَتناَ=
وفي كُلِّ يْومٍ عَلَى حَالٍ أُسَوِّيهاً
حتى إذا ما مَلَكنا ما يُكافِئُها=
شَرَيتُها ثُمّ إنِّي لا أُثَنِّيها
قال: اذهبي واعلَمي إنْ كنتِ جاهِلَةً=
أنَّ القَناعةَ تُغني نفسَ كاسيها
وأقبلَت بعدَ خَمسٍ وهي حامِلَةٌ=
دُرَيهِماتٍ لتقضي من تَشَهِّيها
¥