لمَّا وفد زيد الخيل الطائي على الرسول صلى الله عليه وسلم وأعلن إسلامه, وسماه النبي صلى الله عليه وسلم (زيد الخير) أراد أن يرجع إلى دياره, وهو في طريقه عائدًا أصابته حمى واشتدت به, فخرج وقال لأصحابه الذين معه جنبوني بلاد قيس فقد كانت بيننا حماسات في الجاهلية ولا والله لا أُقاتل مسلمًا حتى ألقى الله, فنزل بماءٍ لحي من طيء يُقال له (فردة) , واشتدت به الحمى فأنشأ يقول: (1)
أمرتحلٌ صحبي المشارق غُدوةً****وأُتركُ في بيتٍ بفردة منجدِ
سقى الله مابين القفيل وطابةً****فمَا دُونَ أرمام فما فوق منشدِ
هنالكَ لو أنِّي مَرِضتُ لعَادَنِي****عوائد من لم يشفِ مِنهُنَّ مجهدِ
فليت اللواتي عُدنني لم يعدنني****وليت اللواتي غِبْنَ عني عُوَّدي
ثم مات ودفن في مكانه.
•لبيد بن ربيعة يرثي نفسه:
عندما حضرت لبيدَ الوفاةُ, وكانت عنده ابنتاه, قال يخاطبهما: (2)
تمنَّى ابنتايَ أنْ يعيشَ أبوهُمَا****وهل أنا إلا مِن ربيعةَ أو مُضَرْ
ونائحتانَ تندبانَ بِعَاقلٍ****أخا ثقةٍ لا عينَ منهُ وَلا أَثَرْ
وفي ابنَيْ نزارٍ أُسوةٌ إنْ جَزِعْتُمَا****وإنْ تسألاهم تُخبرا فيهم الخَبَرْ
وفيمنْ سواهم مِن مُلوكٍ وسوقةٍ****دعائم عرشٍ خانهُ الدهر فانْقَعَرْ
فقُومَا فَقُولا بالذي قد عَلِمْتُمَا****و لا تَخْمِشَا وَجْهًا ولا تَحْلِقَا شَعَرْ
وقُولا هوَ المرءُ الَّذي لا خَليلهُ****أضَاعَ ولا خَانَ الصَّدِيقَ ولا غَدَرْ
إلى الحولِ ثم اسمُ السَّلامِ عَليكُمَا****ومَنْ يَبْكِ حَوْلًا كَامِلًا فقدْ اِعْتَذَرْ
ثم مات ودُفن.
•خُبيب بن عدي –رضي الله عنه- يرثي نفسه:
أرسل النبي صلى الله عليه وسلم سريَّةً مُكوَّنةً من عشرة رجال ليُراقبوا تحركات كفار قريش وذلك بعد غزوة بدر, وجعل أمير السرية عاصم بن ثابت-رضي الله عنه- ومن رجال السرية خُبيب بن عدي-رضي الله عنه- ولما بلغوا مكانًا بين عسفان ومكة نما خبرهم إلى جماعة من هُذيل, فسارعوا إليهم بمائة من أمهر الرماة, وحينما أحسَّ أميرهم عاصم بهُذيل, دعا أصحابه إلى صعود قمة عالية على رأس جبل, واقترب الرماة منهم وأحاطوا بهم, ودعوهم لتسليم أنفسهم بعد أن أعطوهم موثقًا أن لا ينالهم منهم سوء, فأبى أميرهم عاصم وقال (أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر اللهم أخبر عنا رسولك) وشرع الرماة يرمونهم بالنبال, فأُصيب عاصم واستُشهد, وأصيب معه سبعة واستُشهدوا, ونادوا الباقين أن لهم العهد إذا نزلوا, فنزل الثلاثة, واقترب الرماة من خُبيب وصاحبه (زيد بن الدثنة) فربطوهما, ورأى صاحبهم الثالث بدايو الغدر فقرر أن يموت حيث مات عاصم فقُتل, فقادوهما إلى مكة وباعوهما وتذكر بنو الحارث بن عامر- الذي قتله خُبيب في معركة بدر- ثأرهم فسارعوا إلى شرائه, وتواصى كفار مكة من أهالي بدر عليه ليشفوا أحقادهم منه, فراحوا يساومونه على دينه, ويُلوِّحون له بالنجاة إن هو كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ولما يئسوا منه قادوه إلى مصيره, واستأذنهم أن يصلي ركعتين, فأذنوا له, ثم فتح ذراعيه إلى السماء وقال: ((اللهم احصهم عددا واقتلهم بددًا)) , ثم أنشأ يقول: (3)
لقدْ جَمَّعَ الأحزابُ حَولي وألَّبُوا****قَبائِلهُم واستَجْمَعُوا كَلَّ مَجْمَعِ
وقد قرَّبُوا أبنَاءَهم ونساءَهُم****وقُرِّبتُ مِنْ جذعٍ طويلِ مُمَنَّعِ
وكلُّهم يُبدي العداوةَ جَاهِدًا****عليَّ لأنِّي في وثاقٍ بمضيعِ
إلى اللهِ أشكو غُربتي بعدَ كُربتي****ومَا جمَّعَ الأحزابُ عندَ مَصرعي
وذلكَ في شأنِ الإلهِ وإنْ يَشَأْ****يُبارك على أوصالِ شلوٍ مُمَزَّعِ
وقد خيَّروني الكفرَ والموتَ دونَهُ****وقد هَملتْ عيْنَاي في غيرِ مَجْزَعِ
ومابِي حذاري الموتَ إني لميتٍ****ولكن حذاري جُحْمَ نارٍ مُلفَّعِ
فلستُ بِمُبْدٍ للعدو تَخَشُّعًا****ولا جَزَعًا إنِّي إلى اللهِ مَرْجِعي
ولستُ أُبالي حينَ أُقتلُ مُسلمًا****على أي جنبٍ كانَ في اللهِ مَصرعي
فقُتل رضي الله عنه وأرضاه.
•عبدة الطيب يرثي نفسه:
هو شاعر مخضرم عاش في الجاهلية وأدرك الإسلام وأسلم وجاهد مع النعمان بن مقرَّن –رضي الله عنه- الفرس والمدائن (4) , وقد بكى نفسه بأبيات بعدما طال مرضه وأيقن بالموت فقال: (5)
ولقد علمتُ بأنَّ قصري حٌفرةً****غبراءُ يحملُني إليها شَرْجَعُ (6)
¥