القصيدة -الرائعة الماتعة- حين اشتدت عليه العلّة: (4)
أَلاَ لَيْتَ شِعري هَلْ أبيتَنّ ليلةً****بجَنبِ الغَضَا أُزجي القِلاص النّواجِيا (5)
فَلَيتَ الغَضَا لم يقطَعِ الركبُ عَرضَهُ****وليتَ الغَضَا مَاشىَ الركابَ لَياليِا
لقد كان في أهل الغضا لو دنا الغضا****مزارٌ ولكنّ الغضا ليْسَ دانيا
أَلمْ تَرَني بِعتُ الضّلالةَ بالهُدى****وَأَصْبَحْتُ في جيشِ ابنِ عفّان غازيا
لَعَمْري لئن غالتْ خُراسانُ هامَتي****لقد كُنْتُ عن بابَيْ خراسان نائيا (6)
فللّه درّي يَوْمَ أَتْرُكُ طائعاً****بَنيّ بأَعْلى الرّقمَتَيْنِ وماليا (7)
ودَرُّ الظّباءِ السّانِحاتِ عَشِيّةً****يُخَبّرْنَ أني هالِكٌ مِن وَرَائِيا
وَدَرُّ كَبيرَيَّ اللّذين كِلاهُمَا****عَليّ شَفيقٌ ناصِحٌ قد نَهانِيا
وَدرُّ الهَوَى من حَيْثُ يدعو صِحَابَهُ****وَدَرُّ لَجاجاتي ودَرُّ انتِهائيا
تَذَكّرْتُ من يَبْكي عليّ فلمْ أَجِدْ****سِوَى السَيْفِ والرّمحِ الرُّدَينيّ باكيا (8)
وَأَشْقَرَ خِنْذِيذٍ يَجُرّ عِنَانَهُ****إلى الماء لم يتْرُكْ لَهُ الدهْرُ ساقيا (9)
وَلَمّا تَرَاءَتْ عِنْدَ مَرْوٍ مَنيّتي****وَحَلَّ بِهَا جِسْمي وَحَانَتْ وَفَاتِيا (10)
أَقُولُ لأصْحابي ارْفعوني لأنّني****يَقِرّ بِعَيْني أن سهَيلٌ بَدَا لِيا
فيا صاحبَي رحلي دنا المَوْتُ فَانزلا****بِرابِيَةٍ إنّي مُقِيمٌ لَياليِا (11)
أَقيما عليّ اليَوْمَ أو بَعْضَ ليلةٍ****ولا تُعْجِلاني قد تبيّنَ ما بِيا
وَقوما إذا ما استُلّ روحي فهيّئا****ليَ القبرَ والأكفانَ ثُمّ ابكيا ليا
وخُطّا بأطْرَافِ الأسِنّةِ مضجعي****ورُدّا على عَيْنَيَّ فضلَ ردائيا (12)
ولا تحسُداني باركَ اللَّهُ فيكما****من الأرْضِ ذَاتِ العَرضِ أن توسِعاليا
خُذَاني فجُرّاني بِبُردي إليكما****فقد كُنْتُ قبل اليوم صَعباً قياديا
يقولون لا تُبْعَدْ وهُم يدفِنونني****وأيْنَ مَكانُ البُعْدِ إلاّ مَكانِيا
ويا لَيْتَ شعري هل بَكَتْ أُمُّ مالكٍ****كما كُنْتُ لَوْ عَالَوا نَعِيَّكَ باكيا (13)
إذا مُتُّ فاعْتَادي القُبُورَ وسلّمي****على الرَّيمِ أُسقيتِ الغَمامَ الغَواديا
فيا راكِباً إمّا عَرَضتَ فبلّغَنْ****بني مالكٍ والرَّيْبِ أنْ لا تلاقِيا
وَبَلّغ أخي عِمران بُردي وَمِئزَري****وبلّغ عَجُوزي اليومَ أن لا تدانيا (14)
وَسَلّمْ على شيخيّ مِنيّ كِلَيْهِما****وبلِّغ كَثيراً وابْنَ عمّي وخَاليا
وعطِّل قَلوصي في الرِّكاب، فإنّها****ستُبرِدُ أكباداً وتُبكي بَواكِيا
أُقَلبُ طَرْفي فَوْقَ رَحْلي فلا أرَى****بِهِ من عُيُونِ المُؤْنِساتِ مُراعِيا (15)
وبالرَّملِ منّي نِسْوَةٌ لو شَهِدنَني****بَكَيْنَ وَفَدّيْنَ الطّبيبَ المُداويا
فمِنْهُنّ أُمّي وابْنتاها وخالتي****وباكِيَةٌ أُخرى تَهِيجُ البَواكِيا
وما كانَ عَهْدُ الرّمْل منّي وأهلِه****ذميماً ولا بالرّمْل ودّعْتُ قَاليا
ـــــــــــــــــــــ
(1)] الأثافيّ: الحجارة الثلاثة التي توضع تحت القدر.
(2) الأمالي لأبي علي القالي ص 117
(3) العقد الفريد لابن عبد ربه (3/ 191).
(4) لم أذكر القصيدة كاملة وذلك لطولها لئلا يمل القارىء منها, ومن أرادها كاملة فليرجع إلى ذيل الأمالي للقالي (117 - 119) , وجمهرة أشعار العرب للقرشي (269 - 272) ببعض الاختلاف بينهما.
(5) أزجي: أقود, والقلاص النواجيا: النوق الفتية.
(6) غالت خراسان هامتي: قطعت رأسي, أي: مت بها.
(7) الرقمتان: موضع بين البصرة والنباج كان فيه منزل الشاعر.
(8) الرمح الرديني: أجود أنواع الرمح.
(9) أشقر خنذيذ: حصان أشقر كثير العرق كناية عن كثرة الركض.
(10) مرو: بلد من بلدان فارس, حلَّ: بَلِيَ وانحلَّ.
(11) رابية: مكان مرتفع.
(12) فضل ردائيا: الأطراف الزائدة عن ثوبي.
(13) أم مالك: هي أم الشاعر.
(14) العجوز: هي أمه أو امرأته.
(15) المؤنسات: من الأُنس عكس الوحشة.
ـ[أديب طيء]ــــــــ[17 - 10 - 2010, 05:48 م]ـ
-الطرماح بن الحكيم يرثي نفسه:
قال الطرماح يرثي نفسه: (1)
فيا رَبّ لا تَجعل وَفاتِيَ إن أتَتْ**** على شَرْجَعٍ يُعْلَى بخُضْر المَطَارفِ (2)
ولكنْ شهيداً ثاوياً في عِصابة****يُصابون في فَجٍّ من الأرْض خائفِ
إذا فارَقُوا دًنْياهُم فارَقُوا الأذىَ****وصارُوا إلى مَوْعُود ما في الصَّحَائفِ
¥