تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ــ استثناء العقاد الريش من العزم (إلا ريشه لا يعزم) له دلالاته الشعورية الحزينة، وكأنهما (العقاد/ب) يضعان أيدينا على مصدر فشل همّ العقاب، فالعزم إذا جاء من غير أهله كان هباء منثورا، فليعزمْ العقاب كما يشاء، ولكن ريشه ليس يعزم؛ فلن يطير إذن.

ثالثا: لوحة البيت:

ــ صورة رائعة حقا تلك التي رسمها العقاد في هذا البيت/القصر،

فقد تراوحت بين البسط والقبض، بين الهم والجثم،

وتراوحت قلوبنا معها بين الفرح والحزن،

فرحنا عندما قال في صدر الشطر الأول: يهم، نعم ها هو يحاول سيطير!

وحزنا في عجز الشطر الأول عندما قال: فيجثم، خاب ظننا في عقابنا المسكين بل ازداد ضعفا والتصاقا بالأرض، ليته لم يهم!

ثم فرحنا عندما قال في صدر الشطر الثاني: يعزم، نعم فرحنا الحمد لله العقاب لم ييأس، وإنما يصر على محاولة الطيران!

ثم حزنا عندما قال العقاد في عجز الشطر الثاني: إلا ريشه لا يعزم، حزنّا حزناً لا تسعه صدورنا، فما أقساك يا عقاد! تُمَنِّيْنا حتى إذا تَمنينا أسقيتنا صريح اليأس!

وقد ساعد العقاد على هذا البسط والقبض تفعيلات يحر الطويل،

والتي تبدو لي كثنائي يردّا على بعضهما،

أحدهما ينادي بالفرح، والآخر يدعو إلى الحزن،

هكذا:

فعولن>>> نغّمْها تنغيمة َ فرحٍ وسرور،

مفاعيلن >>> نغمها تنغيمة حزن وشجون،

وكأني بمفاعيلن ترد على فعولن فرحتها وسرورها؛

لذا جاء صوت مفاعيلن مزيدا على فعولن بسبب من الحزن ثقيل.

ــ العقاد ناقد قبل أن يكون شاعرا، لذا يدع فسحة من نصه للقارئ الحصيف؛ ليشاركه في استكمال الصورة بل وبنائها، وهنا يأتي دور القارئ ليستلّ العاطفة المسيطرة على العقاب في هذا البيت.

أطلقْ لخيالك عنان الواقع والحقيقة وتخيلْ معي:

عقابا لا يستطيع من الطيران والتحليق إلا النية،

عقابا لا يستطيع أن يجبر ريشه ليس على الطيران وإنما على العزم فقط،

عقابا يتجرع مرارة الفشل في القصد والنية بالجثم على الأرض والتلبد بها،

عقابا يهم؛ فيجثم، ثم يعزم؛ فيفشل،

ثم تخيلوا معي تلك العاطفة التي تتملك هذا العقاب في هذه اللحظة:

الذل ــ الهوان ــ مرارة الفشل ــ اليأس ــ تذكر الماضي المجيد ــ بغض الحاضر المرير ...

تلك هي العاطفة، فما أجملها! وما أخفاها على غير طالبها!

ولتغفر لي أيها العقاب نمي بالذي قد أفضيت به إلي؛

فإنه يؤدني حمله بمفردي!

ـ[جلمود]ــــــــ[20 - 06 - 2009, 06:35 ص]ـ

في الثلث الأخير من الليل وعلى شواطئ نهر النيل تتهادى أطياف الشعراء تتسامر وتتنادم،

وكأني بطيف العقاد هناك وحيدا يردد:

فهل يمسي إلى قبري خيال ... من الدنيا بأنباء الأنام

ويمسي طيف من أهوى سميري ... ويؤنس وحشتي ترجيع هام

اقتربتُ من طيفه متلطفا، فلما استأنس بي:

ــ قلت له: حدثني عن عقابك الهرم؛ فإني به شغف،

ــ لعمري! لم يكن هرما وإنما كان في جذوة الشباب،

ــ كيف يا عقاد! قصيدتك واسمها تنبئ بهرم العقاب،

ــ هل قرأتَ قصيدتي ثورة النفس ففيها الإجابة،

ــ وما شأننا بثورة النفس! نحن مع عقاب هرم أكل عليه الزمان وشرب!

وهنا لجلج الليل وأبلج النهار، وغادر طيف العقاد ولا تزال كلماتُه تتردد في مسامعي وأبياتٌ من قصيدته ثورة النفس:

شكوتَ الذي أشكوه فاعلم بأنني ... وجدت من الأيام ما أنت واجد

أهابت بنفسي وثبة بعد وثبة ... كما نهض الرئبال لم يرأم الأسرا

وقد روضتها الحادثات فأخلدت ... إلى القيد حتى ما تهم به كسرا

وكان خيالي في السماء محلقا ... فهاض جناحيه الزمان المغرر

إذا استل منه ريشة بعد ريشة ... جرى دمه في إثرها يتحدر

يتبع ...

ـ[جلمود]ــــــــ[20 - 06 - 2009, 09:09 م]ـ

حتى يأتي ثلث الشعراء من الليل فنلقى طيفَ العقاد ــ نتابع قراءة القصيدة،وبيتنا اليوم بيت واسع العرصات، يتسع لما تضيق عنه هذه الصفحات من المعاني والصور والجماليات.

لقد رنَّق الصُرْصُوْرُ وهْو على الثرى ... مُكِبٌّ، وقد صاح القطا وهْو أبْكمُ

يا للعجب ويا للروعة!

ولكن لا يكفي أن نتعجب فقط ونهرف بالثناء دون بيان سبب الإعجاب والثناء.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير