تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أن يريك الشاعرُ النشاطَ والحيوية في صورته الحركية كما فعل العقاد في بيته الأول ــ فهذا شيء متوقع، ولكن العجيب الغريب الفريد اللطيف الظريف أن يريك الشاعر الحركة والحيوية والنشاط في السكون، وهو ما سنبينه في صورة البيت إن شاء الله.

أولا: وقفات لغوية عند بعض الكلمات:

رنّق: ورنّق الطائر إذا خفق بجناحيه في الهواء وثبت ولم يطر.

الصرصور: العظام من الإبل والفحل النجيب منها.

القطا: طائر معروف عند العرب، وسمي بذلك لأنه يصدر صوتا وصياحا هكذا: قطا قطا، وهو طير كثير الصياح لاسيما إذا هاجه أحد أو أثاره.

ثانيا: مخالفة التوفيق للعقاد:

خالف التوفيقُ العقادَ في قوله (رنق الصرصور)؛ فالصرصور في لغة العرب ليس هذه الحشرة التي نعرفها اليوم بهذا الاسم في العامية، وإنما الصرصور: النجيب والعظيم من الإبل، أما تلك الدويبة التي تكون تحت الأرض وتصدر صوتا يشبه صر الجندب فاسمها عند العرب: الصَّرْصَر،

ولقد قصد العقاد الصرصر وعبر بالصرصور، فخالفه التوفيقُ،

وشتان بين الصرصور والصرصر في المعنى!

ثالثا: الصورة في البيت:

بدءا أحب أن أفرق بين نوعين من الصور: الصور المتعددة، وهي عبارة عن صور متتالية لا يربط بينها رابط، والصورة المركبة التي تشتمل على صور متعددة أيضا، ولكنها مترابطة فيما بينها، فهي تتحد لتكون صورة أكبر وأشمل تندرج فيها جميع مفردات الصور الجزئية.

ومن أشهر الأمثلة على الصور المتعددة قول شوقي:

وَخَميلَةٍ فَوقَ الجَزيرَةِ مَسَّها= ذَهَبُ الأَصيلِ حَواشِياً وَمُتونا

كَالتِبرِ أُفقاً وَالزَبَرجَدِ رَبوَةً = وَالمِسكِ تُرباً وَاللُجَينِ مَعينا

ومن ثم فإن بيتنا ليس من قبيل الصورة المركبة فحسب، وإنما قد بلغ غايتها وتربع ذروتها، فلله دره بيتا!

أن يجمع الشاعر في الصورة المركبة بين صور مرئية ــ فهذا أمر مقبول معتاد، ولكن المخالف لقوانين الجادة أن يجمع الشاعر بين صورة مرئية وأخرى صوتية في صورة مركبة كبرى، وكأن العقاد يصور لنا فيلما سنيمائيا، ليس مثل أفلام لوريل وهاردي الصامتة، وإنما فيلم تصاحبه الموسيقى التصويرية، لتضيف إليه معنى ليس أقل من معنى الصور المعروضة.

أما صورتنا المرئية فهي ذلكم الصرصور الذي يتوق إلى السماء ويرنق، وكأنه لا يرضى بحاله على الأرض وإنما يبتغي إلى السماء سبيلا، بل وربما نفض بعض أجزاء جسمه لعلها يجد فيها ما يساعده على الطيران.

أما الصورة الصوتية فهي تلكم القطا التي تصيح بصوت عال يسمعه من في الأرض، وكأنها تشمت بمن ركن إلى الأرض وتلبد بها.

صورتنا المركبة تتكون من تلاحم الصورتين السابقتين في لوحة واحدة منتظمة المعالم متجانسة الأطراف:

ــ عقاب هرم مسجى على الأرض مكب عليها متلبد بها ساكن، يرنّ في أذنيه أصوات القطا وصياحها وهو لا يراها لضعف بصره، إلا أنه يشاهد القريب منه الذي يمشي على الأرض التي ركن إليها، وفي الوقت نفسه ومع تلك الأصوات يشاهد صرصورا يتطلع إلى السماء مشدوها، صرصورا لم يكتف بالعزم الفاشل مثل العقاب وإنما أتبع ذلك بالتجربة والمحاولة فبدأ يخفق لعله يطير، بين تلك الأصوات وهذا المنظر يقف العقاب الهرم.

رابعا: العاطفة في البيت:

ويا لها من عاطفة!

ــ أحقر كائن على الأرض (الصرصور) يتطلع إلى السماء ويبتغي إليها سبيلا وكأنه يفعل ذلك أمام العقاب ليريه أنه أقوى منه وأحق بتلك المملكة الغائب صاحبها.

ــ وأضعف طائر في السماء (القطا) يحلق في أعالي السماء مصدرا تلك الأصوات التي تبدو في أذن العقاب في نغمة ساخرة شامتة!

بين تلك النظرة المغتصبة الهازئة وهذه الأصوات الشامتة الساخرة ــ يرقد عقاب عجوز ترقرت عينه بالدموع شفقة ًعلى نفسه وما حل بها، وشعورا بالقهر من أضعف الكائنات شأنا وحجما (الصرصور والقطا)، فتأخذه الحمية بالعزة والأنفة، فيشعر بحرارة الدم في عروقه وبقوة اندفاعه فـ ...

ـ[جلمود]ــــــــ[21 - 06 - 2009, 07:42 م]ـ

يُلَمْلِمُ حَدْباءَ القُدامى كأنّها=أضالعُ في أرْماسِها تَتَهَشَّمُ

أولا: وقفات لغوية:

1ــ حدباء: تدور معاني هذه الكلمة حول الجفاف والهزال و ...

2ــ القدامى: والقدامى أو القوادم: مقاديم الريش أي الريشات المتقدمة في الجناح.

3ــ أرماسها: الرمس: القبر، والجمع رموس وأرماس.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير