تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يحاول العقاب بعد أن بلغت الحمية به أقصاها ـ التحليق، ولكن ضعفه على حمل الجناحين خيل إليه أنهما ثقيلان، فعجز، ويا لها من حسرة أن يصير مصدر القوة بالأمس هو مصدر ضعف اليوم!

ويا لك من قاس يا عقاد! أتعيّر العقابَ بعدم قدرته على حمل الجناحين، بل وتغمزه بقولك (بعد ما أقلاه)، أتعيره بعد قدرته على رد الجميل لجناحيه فيحملهما في الشيب كما حملاه في الشبيبة.

لك الله يا عقابنا وقد عجزتَ عن رد الجميل لمن غمرك بفضائله دهورا!

وإن عجز النبيل الكريم عن رد الجميل لهو أشد في قلبه من وقع السهم وضرب السيوف وطعن الرياح.

ـ[جلمود]ــــــــ[24 - 06 - 2009, 01:49 ص]ـ

في هذا الوقت من الليل الذي يخلو فيه كل خليل بخليله ــ خرجت أتلمس طيف العقاد وقد عزمت في نفسي أن أستبين منه عن العلاقة بين العقاب الهرم وثورة النفس، ومن هو العقاب وإلام يرمز؟

وكالسفين الذي يجور بها الملاح طورا ويهتدي ــ وصلت إلى ملتقى أطياف الشعراء عند مرافئ نهر النيل، ها هم الشعراء كل يأنس إلى شاكلته، فالبارودي قد اجتمع بشوقي وحافظ، والتف كل قائل حول حزبه وصحبه، إلا العقاد فما زلت أراه وحيدا، وعندما رأيته ذهب عني كل ما زورته في نفسي، فسلمت عليه وسامرته حينا ثم قلتُ له:

ــ ما لي أراك وحيدا؟ أين صاحباك: المازني وشكري؟

ــ لو قرأتَ أحلام الموتي ما سألتَ.

ــ فقلتُ في نفسي: أي عبث هذا! كلما سألته عن شيء يحيلني إلى قصيدة ولغز، فنويت أن أستفزه فقلت له: لا أراهما إلا قد قلياك وهجراك.

ــ كيف القلى وقد اجتمعنا حين أراد الدهر أن يفرقنا، ولكن لتلك قصة:

فلقد تمنى كل منا أمنية عند موته، وتجرعتُ أنا مرارة أمنيتي في حين نعم شكري بنومة هادئة، وتنعم المازني بالرياض الزاهرة.

فأنا قلت:

فهل يمسي إلى قبري خيال ... من الدنيا بأنباء الأنام

ويمسي طيف من أهوى سميري ... ويؤنس وحشتي ترجيع هام

فتجرعت مرارة انتظار من يجود علي بأخبار الأنام أو طيف سمير.

وقال شكري:

وكان العدل أن نرضى بموت ... فلا طيف يساعد باللمام

خذ الموتى المحلى بالأماني ... وبالأحلام تطرق في الظلام

ودع لي ميتة لا حلم فيها ... فما أخشى وقد هدأت عظامي

فنعم بنومة هادئة لا يزعجه فيها حلم أو طيف.

وقال المازني:

إذا ما الموت رنق في جفوني ... وبات بكفه يوما زمامي

فما يغني خيال عن حبيب ... يزورك بالتحية والسلام

وكيف يصد عنك وأنت حي ... ويمسي واصلا لك بالرجام

أجنوني إذا ما مت رمسا ... ينادمني به خضل الغمام

ترقرق عنده غدران ماء ... على ضفاتها أثر الهوامي

تغنيني الحمائم في ذراها ... وقد هب النسيم مع الظلام

فأفضى كل منا إلى ما تمنى وقدّم.

ـ[الباز]ــــــــ[24 - 06 - 2009, 02:19 ص]ـ

برغم أني قرأت مرة أن العقاد فاشل في الشعر باعترافه ..

إلا أن اختيارك لهذه القصيدة قد يغير رأيي في هذا الرأي فالقصيدة رائعة

و ما زادها روعة قراءتك وتحليلك الفذ المتكامل لها ..

ألف شكر لك

ـ[منصور مهران]ــــــــ[24 - 06 - 2009, 07:02 م]ـ

بارك الله فيك يا أخي جلمود

لقد أصبتَ الحقيقة

فما العقاب إلا رمزا للنفس الإنسانية متقلبة بين عزيمة الأقوياء وخَوَر الضعفاء.

رجاءً، أتمم جولاتك في رحاب هذه النفس،

ولو نظرت فيما كتبه العقاد عن أبي العلاء المعري لرأيت معاني هذه القصيدة ورموزها ماثلة للعيان.

تقبل تحيتي واعترافي بصفاء نفسك وجمال موهبتك النقدية.

ـ[أحمد بن يحيى]ــــــــ[24 - 06 - 2009, 07:37 م]ـ

ما شاء الله

تبارك الله

لايسع المارّ بمثل هذا الفيض النقدي الرقراق إلا أن يثني عليه الثناء الحسن الذي هو أهله!

قلمٌ ناقد من الطراز الأول!

جمع إلى الذائقة النقدية المطبوعة منهجية َ العمق والثراء والتدرُّج والوضوح ومراعاة المقام.

فبورك في يراع خطّ مثل هذا، وبورك في صاحبه!

وفقك الله أخي جلموداً ونفع بك

ولا تحرمنا من مثل هذه الفرائد والفوائد. لا حرمناك!

وتقبل تحيات أخيك / أبي يحيى

ـ[أنوار]ــــــــ[24 - 06 - 2009, 07:49 م]ـ

زاوية ماتعة بحق ..

بوركت أستاذ جلمود .. قصيدة مميزة وتحليل أضفى عليها الكثير ..

وجميل ما تطرقتم له من الغوص في أعماق الجموع ودلالاتها .. والتفاعيل ومناسبتها للمعاني ..

ولكن ألا من وقفات مقارنة بين استخدامه للأساليب ..

إنشائية، خبرية ..

بصراحة زاوية تستحق القراءة مراتٍ ومرات ..

جزيل شكرٍ لكم ..

ـ[ولادة الأندلسية]ــــــــ[26 - 06 - 2009, 04:48 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أبدع اليراع الذي خط هذه الكلمات

والمداد الذي جعلنا نراها

والفكر الذي مد اليراع والمداد بهذه الكلمات الرائعة.

ـ[جلمود]ــــــــ[26 - 06 - 2009, 05:05 ص]ـ

بارك الله فيك يا أخي جلمود

لقد أصبتَ الحقيقة

فما العقاب إلا رمزا للنفس الإنسانية متقلبة بين عزيمة الأقوياء وخَوَر الضعفاء.

رجاءً، أتمم جولاتك في رحاب هذه النفس،

ولو نظرت فيما كتبه العقاد عن أبي العلاء المعري لرأيت معاني هذه القصيدة ورموزها ماثلة للعيان.

تقبل تحيتي واعترافي بصفاء نفسك وجمال موهبتك النقدية.

بارك الله فيكم شيخنا الفاضل منصور مهران!

وإنه لشرف لنا عظيم أن نرتوي من فيض كلماتكم العذبة عللا بعد نهل!

فلا تحرمونا غيثكم!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير