يلتقيان في بعض الغايات، بصفتها عامل من عوامل نشر الاسلام وذلك لما تعتمد عليه من الأصول الدينية من قرآن وسّنة.
لقد كان الشاعر مصلحاً صوفيا داعيا الى الاصلاح ناشراً للمفهوم الصحيح للاسلام ومقاوماً للانحراف، والجهود والأهواء ولا عجب في ذلك فقد عرفت هذه الثنائية بين الصوفية والاصلاح، وبين العمل للدنيا والعمل للآخرة في القديم والحديث، وممّن اشتهر بذلك من القدماء: حجة الاسلام أبو حامد الغزالي (450 - 505هـ) الذي جمع ما بين التصوف والفقه وبين العلم والفلسفة، ونشير الى أنّ الشاعر معجباً بمنهج أبو حامد الغزالي، مماّ يبرز تأثره به فهو يقر بهذه الحقيقة في قوله:"إنيّ أحبّ مشرب الغزالي لأنه لا يخرج عن الشريعة، ولايهمل العقل" (3).
كان محمد العيد آل خليفة يشرف على تسيير مؤسسة مدرسة الشبيبة الاسلامية التي تعتبر في نظر الاستعمار من أخطر المؤسسات التعليمية في قلب البلاد وهو من جهة أخرى شاعر أسهم بشعره، في توعية المواطنين
1 - في الأدب الجزائري الحديث،د /عمر بن قينة-ص65 - 66 (بتصرف).
2 - محمد العيد آل خليفة: دراسة تحليلية لحياته، تأليف أ/محمد ابن سمينة-ص13 - 14 - 15 (بتصرف).
3 - نفسه-ص35 (بتصرف).
وتصويب تطلعات شعبه، والدفاع عن قضاياه، وهو من جهة ثالثة ركن من أركان الاصلاح والوطنية يحمل لواء الدعوة الى المقاومة.
ولهذه الأسباب مجتمعة، كان "محمد العيد" محل شبهة تكاد تكون دائمة، فكانت العيون تترصده في حلّه وترحاله، وتحسب عليه حركاته وسكناته فهو محارب أينما وجد.
ولعله أشار الى بعض ذلك في هذه الأبيات حيث يقول:
إنّ للناس أنفسًا ** ضاريات على الضرر
وعيوناً رقيبةً ** شرّة تقذف الشرر
فأنج من كيدها وكن** من أذاها على حذر
وقد قدم للمحاكمة عدة مرات بتهمة أنه يقوم بتعليم اللغة العربية والدين الاسلامي، وتوعية الشعب. وكان يستدعى للاستنطاق من حين لآخر، وقد هددّ بالسجن أكثر من مرة ودخله عام1955م من شهر جوان (1)، وبقي شاعرنا يعيش حياة غير مستقرة تملاها الضغوطات والمطاردات لينتهي به الحال الى فرض الاقامة الجبرية عليه في منزله الذي بقي محاصراً طوال أيام الثورة المباركة.
وقد صور لنا حالته في هذا الشأن بقوله:
أخال إقامتي جبراً كقبر ** حملت اليه كالجثث البوالي
أرى الأحياء من حولي قريبا** وهو بالعيش عنيّ في اشتغال (2)
وبالرغم من تلك الحياة التي عاشها شاعرنا تحت الظروف القاسية والحرب النفسية لم تنل من عزيمته ولم توقف نظاله بل واصل رسالته لما يغمر قلبه من ثقة بالله تعالى، وحبّ الوطن وتفانٍ في خدمته وبقي يساهم في الاصلاح الديني وتوعية الشعب واستنهاض هممه؛ لهذا نقول إنّ لنزعته الزهدية والصوفية جذور قديمة متأصلة في أعماقه فما برحت تمدها وتغذيها أسباب متعددة من ميراثه الصوفيّ ونشأته الدينية وبيئته المحافظة وتكوينه العربي الاسلامي ومعايشته لمأساة أمته كما أنّ محاصرته داخل منزله وفرت له الجوّ الملائم للنزوع الصوفيّ ومكنّته من النمو والسمّو في نفسه، واستمر على هذا الحال متفرغاً للعبادة، لايتصل بالحياة الدنيا وأهلها إلاّ بحذر وبمقدار.
وفي سنّ الشيخوخة (بعد الاستقلال) خلص للعبادة وخاصة بعد أدائه لفريضة الحج سنة1966م فقد أصبح كلّ وقته له، تفرغ فيه الى خلوة تكاد تكون خالصة، يشبع فيها تلك الرغبة الكامنة من هذا الفيض الرباني، ويعكف فيها على نفسه، يجهدها في طاعة الله، والتقرب اليه بصالح الأعمال وخالص العبادة وصادق الذكر، وانكب عليها يزكيها ويزهدها في الحياة الدنيا ويرغبها في الحياة الأخرى ونعيمها.
1 - محمد العيد آل خليفة: دراسة تحليلية لحياته-ص62 - الى69 (بتصرف).
2 - محمد العيد آل خليفة: دراسة تحليلية لحياته، تأليف أ/محمد ابن سمينة-ص105 - 106 (بتصرف).
يقول في النزعة الصوفية هذه الأبيات:
لأرباب القلوب عهود صدق ** وأقوال تصدقها الفعال
على القلب السليم بنوا وشادوا ** له ملكاً وبالملكوت جالوا
وبالظّن الجميل جنوا ثمارا ** زكيات لها زكت الخلالُ
جمال الله أذهلهم فهاموا ** وأدهش بالهم منه الجلال (1)
فما سكنوا الى الدنيا قلوبا ** وماركنوا لزخرفها ومالوا
فكن أبداً مع الأبرار واجنح ** لهدى إمامهم فهو المثالُ
رسول سن سنته طريقاً ** معبدة يباح بها الوِصال
¥