الحمامة، والرجز من إيقاع مشي الناقة، ثم "تعدد الأوزان بتعدد الألحان فكان للحماسة وزن، وللغزل وزن، وللهجز وزن، وهكذا إلى سائر الأوزان التي حصرها الخليل بن أحمد في خمسة عشر وزنا سماها بحورا".
ثم بعد هذا، انتقل إلى ذكر مواصفات العرب وأهليتهم في قول الشعر ونظمه، من صفاء القريحة، وسذاجة المعيشة، وقوة العصبية، وكمال الحرية، وخلو جزيرتهم مما يعكر صفو فكرهم وتأملهم ... ، دون أن يغض طرفه عن مدى تأثيره البليغ فيهم وفي سلوكياتهم وقيمهم وعقائدهم.
ومن الشعر ومواصفات شعراء العرب إلى أنواع الشعر وأغراضه، حيث صنفه إلى شعر غنائي أو وجداني وإلى شعر قصصي وإلى شعر تمثيلي.
- فأما الوجداني فهو الذي يستمده الشاعر من طبعه، ويفصح عما بقلبه، ويعبر عن شعوره؛
- في حين وصف القصصي بأنه النظم الذي يذكر المفاخر، ويرفع القدر، ويعز القوم في حروبهم ووقائعهم، فمثل لذلك بالإلياذة والشاهنامة ...
- والشعر التمثيلي هو أن يعمد الشاعر إلى واقعة معينة فيتصور أشخاصها وينطق كلا منهم بما يناسبه من الأقوال والأفعال.
والغنائي أسبق هذه الأنواع، لآن مصدر الشعر الغناء، كما ثبت سلفا، والإنسان يشعر بنفسه قبل أن يشعر بغيره حسب صاحب الكتاب.
إلا أن الموضوعات التي أثارت الشاعر العربي في الجاهلية، كانت إلى حد ما خاصة ونابعة من محيطهم ومرتبطة بمعيشتهم، إذ أبدع في وصف ما يشاهده من حيوان وجبل وسهل، وأجاد التعبير عن محاسن المرأة وجمالها، كما أتقن فن الحماسة وما يجنى من ورائها .. وبحكم أن المشاعر لاتكاد تختلف بين قلب وقلب، كثرت المتشابهات و انشرت المكرورات، حتى أرغم زهيرا بالقول:
ما أرانا نقول إلا معارا === أو معادا من لفظنا مكرورا
أما مميزات الشعر الجاهلي فكثيرة ذات قيمة، وظاهرة غير باطنة، فمن وعوثة الصحراء، وخشونة العيش، وحرية الفكر، وسذاجة البدو إلى الصدق في تصوير العاطفة وتمثيل الطبيعة، فلا تكاد تجد تكلفا أو تصنعا، بل سليقة وطبعان ومع ذلك تلفي المعاني واهنة واهية، ومساق الأبيات مضطرب مفكك، حتى إذا نزعت واحدا أو أخرت أو قدمه لاتشعر بتشويه أو نقص. وهذا ما يسمى في معجم النقد القديم بـ"وحدة البيت"، وهو عيب بالنسبة لبعض الاتجاهات والحركات الشعرية المعاصرة كحركة الشعر الحر التي تتبنى مفهوم"وحدة القصيدة"، أي القصيدة المبنية على معنى واحد أو يدور معناها في فلك دلالي واحد. وقد تنبه إلى هذا الأمر حين قال:"ومن ثم كانت وحدة النقد عند أدباء العرب البيت لا القصيدة". ومن المميزات أيضا جزالة اللفظ ومتانة التركيب، والابتداء بذكر الديار والبكاء على الأطلال، ومن النماذج المخلدة أدرج الزيات نموذجا مقتطعا من قصيدة لامرئ القيس، وآخر من قصيدة النابغة الذبياني، وثالث من قصيدة دريد بن الصمة، ورابع من قصيدة علقمة بن عبدة التميمي، ونماذج أخرى عديدة.
ـ[أنوار]ــــــــ[29 - 08 - 2009, 04:16 ص]ـ
بقي أمر:
ما تقولان فيه: هل أذهب غدا وأستعير الكتاب لنقف مع الآراء؟ أم ندخل إلى الفصل الثالث؟
السلام عليكم ..
بل أريد أن نقف على الآراء ..
جزاكم الله خيراً ..
ـ[أنوار]ــــــــ[29 - 08 - 2009, 08:35 م]ـ
السلام عليكم ..
هناك رأي للدكتور منصور مهران .. عن أولية الشعر أو النثر في الشبكة .. يقول فيه:
هذه القضية يتناولها الناس من باب الترف العلمي والعقلي؛ لأن كل من تناولها ينشأ عن خرص وتخمين، ثم تكون النتيجة ترجيحا بغير مرجح، وتظل المسألة رهن النظر مادامت بغير حسم، لما يضفيه كل منا على الأدلة من ظنون قد لا تتوقف وعلى الأرض ساكن واحد؛ لذلك فالبحث فيها سيكون من حيث قدرة الباحثين على اللعب بالمرجحات، وإذا كان الأمر كذلك فدعونا نلعب مع اللاعبين ساعة من نهار: فنقول إن العقل يقبل فكرة التدرج في كل شيء بأن تكون البدايات بالمفردات ثم يتوالى عليها التركيب بالجمع بين مفردين أو أكثر حتى نقطة التعقيد التي يعجز العقل عن حلها وتحليلها، وهذا قول شائع في أعمال الفلاسفة والمناطقة بل في كل لسان؛ وعلى ذلك فالقول ببدء الكلام نثرا هو الأقرب إلى القبول والرضا، لأن الشعر نثر وزيادة وهذه الزيادة بدأت بأنغام الألفاظ وأخذت ترتقي عبر أناقة الألفاظ وحسن سبكها في نطاق اختيار مخصوص وظل النثر يترقى حتى تولد عنه الشعر، وبينما يجري النثر سلسا على كل لسان عند الصغار وعند الكبار على السواء تجد الشعر عسر القياد ولا يتأتى لكل أحد، والذاهبون فيه درجات بين الأدنى وبين الأعلى فهذا التمايز يرجح أنه جاء بعد أن لم يكن، لأن التمايز في النثر قد تغني عنه العبارة الدالة على المقصود بغير عناء وليس ثَم قيد في أي درجة من درجات النثر كالقيد الذي يتقيد به الشعر الجيد منه والرديء.
ـ[حمادي الموقت]ــــــــ[29 - 08 - 2009, 09:04 م]ـ
وعلى ذلك فالقول ببدء الكلام نثرا هو الأقرب إلى القبول والرضا، لأن الشعر نثر وزيادة وهذه الزيادة بدأت بأنغام الألفاظ وأخذت ترتقي عبر أناقة الألفاظ وحسن سبكها في نطاق اختيار مخصوص وظل النثر يترقى حتى تولد عنه الشعر
قول يؤكد قولا:
"الشعر هو الكلام الموزون المقفى المعبر عن الأخيلة البديعة والصور المؤثرة البليغة" بهذا التحديد الجلي للشعر ابتدأ الزيات حديثه للفصل الثالث الخاص بالشعر وأوليته، وتحديده هذا يمكن أن نستنتج منه فائدة لطيفة هي بمثابة حجة على أسبقية النثر على الشعر. إذ لما كان النثر كلاما مرسلا، فإن الشعر زاد عليه أنه موزون مقفى، فالوزن قيدٌ والإرسال مطلقٌ، والمطلق أصل للمقيد كما تقول القاعدة اللغوية، رغم أن أولية الشعر عند العرب مجهولة. ومما يؤكد هذا الحكم ويزكيه مظنونات الزيات التي تقول:"إن العرب خطوا من المرسل إلى المسجّع، ومن المسجّع إلى الرجز ومن الرجز إلى القصيد المنظوم"، والمعلوم أن المرسل هو النثر وما النثر سوى كلام يحقق به الناس حاجاتهم ويقضون به أغراضهم.
¥