هناك نقيضان يسيران معاً في آن واحد البقاء في (يكبر الشجر) الفناء (يذوب الحصى) واحلال شيء محل شيء آخر اما ذوبان الحصى فدليل على الحياة اذ تتحلل التربة مع بعضها ممتزجة مع الحصى وبتحليل التربة وذوبان الحصى تكون الحياة اذ نخلق تربة جديدة مليئة بالخيرات والمواد المختمرة وهذا تناقض من خلاله يكبر الشجر اذ في البداية تكون الحياة والكبر يعني النماء والنماء يعني النضج والعطاء للخير وايضا ايحاء الكبر ومدلوله يعني الانتهاء والوشوك على الزوال اذ لكل شيء بداية ونهاية وكذلك الذوبان للحصى اذ يعطي مدلولا بدائيا اوله الاندثار الذي تبدأ بعده الحياة فالذوبان يعني التحلل والتحلل يعني الاتحاد مع عناصر جديدة وتكوين شيء جديد يعني الحياة والحياة هنا تأتي رويدا رويدا اذ تأتي على دفعات والدفعات تكون مسترسلة كما هو خرير الماء.
والمغني الذي يعزف بالاوتار يسهر الليالي من اجل البقاء ومن اجل ارادة الموت ايضا فالحياة تتمثل في بزوغ الفجر وبزوغ الفجر يعني الحياة الجديدة ويعني عطاء جديدا متجددا بتجدد الزمن والوقت، فها هنا تكمن ارادة الحياة عند الشاعر وكذلك ارادة الموت والتضحية والفناء من اجل الآخرين موجودة عنده ايضا ويطلبها المغني على صيغة الامر (دمرني ما دمت انت حياتي) فتدميره هنا يعني حبه للتضحية (واشربني تحت انتصار الرفات) (هكذا ينزل المطر) والمطر يعني الانبعاث من جديد فظاهرة حب الموت من اجل البقاء والاسرار موجودة في نفسية الشاعر فالوقوف على ابواب المدينة ومسيرة النهر تعني ان الشاعر يتقدم ويتطور ويستقبل الامل والفرح مقابل التضحية والبذل والعطاء.
وهكذا نرى معاملة العدو للانسان المضطهد الذي نراه في شخصية المغني حيث القيد والسجن والحرمان والتشاؤم التي ليس لها حدود (عذاب نفسي جسدي) اذاً هذه العلاقة سلبية بين الانسان والعدو المضطهد للحقوق.
وثبات الانسان وتغنيه بشمس الخريف او مكوثه تحتها يظهر لنا اياها في شكل حقيقي غير مزيفة ففصل الخريف كما اشرنا هو فصل التجريد واظهار الحقيقية التي لا زيف فيها.
واصرار المغني المقاتل المسجون المعتقل على ان يسلي نفسه ويتحدى عدوه بأن يغني ويضمد جرحه بوساطة اوتار العزف التي تعني الامل والطمأنينة على الرغم من الالم النابع من داخله فهنا تكمن شاعرية الشاعر الانسان حيث صموده وعطاؤه وعدم المبالاة التي يوليها لجراحه بحيث لا يتوجع ولا يظهر الالم امام عدوه، فالشاعر نقيض مع جلاده كاتم حريته.
فالقوة الجسدية للانسان هي مساعد فعال على اكتشاف وابتكار العلاقة والتشابه بين الاشياء اذا لم يستطع المرء ان يدرك هذه الاشياء بمنطقه وعقله ففي بعض الاشعار نرى ان درويش يزاوج بين صورة المرأة وصورة الارض لكي يدخل لكل هدف فهذه المزاوجة لا تتأتى من العبث فكا يقول آرنست فيشر (ووعي الفنان بعاطفة المرأة واستقاؤه من ينابيعها دليل على نضج عاطفته الانسانية ووعيه العام وهذا كفيل بوضع صورة المرأة في اطارها الانساني الصحيح وابراز الدور الطليعي الحق الذي يجب ان تؤديه المرأة في الفن والحياة لان الحب وهو اشد المشاعر ذاتية وهو ايضا اكثر الغرائز شمولا وهو غريزة حفظ النوع) (21).
ففي مثل هذه المزاوجة بين صورة الارض والمرأة وهذه المزاوجة لا تتأتى لوجود العلاقة الحسية بل تنبع من المعاني النفسية التي يتركها ويخلقها مثل هذا الوصف والافتراض.
اذا مرت على وجهي
انامل شعرك المبتل بالرمل
سأنهي لعبتي- انهي
وامضي نحو منزلنا القديم
على خطى اهلي
واهتف يا حجارة بيتنا! صلي!
اذا سقطت على عيني
سحابة دمعة كانت تلف عيونك السوداء
سأحمل كل ما في الارض من حزني صليبا يكبر الشهداء
عليه، وتصغر الدنيا، ويسقي دمع عينيك
رمال قصائد الاطفال والشعراء (31)
هنا نلمس حوارا بين شخصين الشاعر هو المتحدث والمرأة المخاطبة فهنا يمكننا ان نلمح مستويين من الدلالة كلاهما مقصود كما يبدو فالمستوى الظاهري هو الدلالة المباشرة التي يمكن ان تأخذ معناها من خلال معنى القصيدة الظاهري.
¥