تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[فلسفة الحب ((محاولة نقدية))]

ـ[محمد الجبلي]ــــــــ[21 - 05 - 2003, 10:08 م]ـ

وإني لأرضى من بثينة بالذي

لو ادركه الواشي لقرت بلابله

بلا وبألا أستطيع وبالمنى

وبالأمل المرجو قد خاب آمله

وبالنظرة العجلى وبالحول ينقضي

أواخره لا نلتقي وأوائله

ما الذي يريده العاشق من معشوقته؟

وما هي الدوافع الى العشق؟

أهو اللقاء؟ أم الزواج؟ أم امضاء بقية العمر معا بغض النظر عن الطريقة , كما يرى اصحاب الغزل الحديث, أو الغزل القديم المسمى بالصريح -، الذين يباهون بوصف من يدعون أنها معشوقة وصفا دقيقا، ويصورونها تصويرا مفصلا , ليأخذ القاريء فكرة عن مغامراتهم , الغرامية، وكيف أنهم استطاعوا إغراء النساء حتى سمحن لهم برؤية مالا ينبغي أن يرى من أجسادهن, فأي عاشق هذا الذي يرضى لمن يحبها التشهير؟

إن الحب يجعل العاشق خائفا من مجرد النظر إلى وجه محبوبته , فأي جرأة تبقى لديه ليشاهد أجزاء جسمها الأخرى؟

أما جميل فرأيه مختلف ,فما الذي أراده جميل من بثينة ,؟

يقول إنه راض من بثينة بأشياء لو علمها الواشون لهدأوا فما الذي سيجعلهم يقلعون عن إدمانهم الوشاية،؟

إذ كان يرضى من محبوبته بالرفض لمطالبه تارة. رفضا صريحا دون اعتذار او تلميح (بلا) , وبالاعتذار تارة أخرى (لا أستطيع) وبالوعود والآمال وهومتأكد من عدم جدواها , فالأمل قد خاب آمله ...

صاحب الأمل قد خاب وما زال الأمل مرجوا!!!!!

وبالنظرة العجلى , انظر الى لفظة العجلى كيف جعلت النظرة خاطفة , مسترقة , وبالسنين تترى لا لقاء في أولها ولا آخرها ,

إنه الحب , الحب الحقيقي الذي يرقى بصاحبه إلى درجة تجعله لا يهتم بما يطلبه العشاق , تجعله يضع محبوبته موضعا فوق الخيال، يجعله يتفادى التغزل بها لأنه يحبها , ولأنه يحبها فلا ينبغي لأحد أن يعرف ما الذي يخفيه من مشاعر عنها ..

لذلك لا نلمس في شعره الشكوى بقدر ما نلمس الرضا , ولأنه يحبها فلا ينبغي لأحد أن يستنتج من شعره أنها تظلمه , أو أنه يجرح لمجرد أنها أخلفت له موعدا , أو أملته بالمواعيد , فمجرد الوعد عنده اجمل من اللقاء , إنه الحب الذي يجعلك تبحث عن المعاناة , وتتلذذ بالألم وفي هذا المعنى أحفظ بيتين لا أثق من تذكري قائلهما , وإن كنت أظنه جحظة ((وهو شاعر عباسي أظن أنه من البرامكة)) حيث يقول:-

((فقلتُ لها بخِلْتِ عليَّ يَقْظى فجودي في المنامِ لمُسْتَهامِ

فقالتْ لي وصرتَ تنامُ أيضاً وتطمعُ أنْ أزورَكَ في المنامِ))

لقد طلب منها مجرد الزيارة في الحلم عندما تعذر عليه السلام صاحيا , فما كان منها إلا أن غضبت لأنه أصبح ينام ليلا ويطمع في زيارتها طيفا في الحلم ,, وفي ذلك أبدع جرير حين قال:-

بنفسي من تجنبه عزيز = عليّ ومن زيارته لمام

ومن أمسي وأصبح لا أراه = ويطرقني إذا هجع النيام

وما دمنا قد تطرقنا إلى الغزل العذري فلن يكتمل الكلام إلا بذكر المجنون العامري، إنه قيس بن الملوح، أو قيس ليلى، أومجنون ليلى تعددت الأسماء، والوجد واحد , والعناء نفسه، لنرحل مع نفسه الشفافة في قصيدته الحائية لنعرف إلى أي مدى يجعل الحب الصادق صاحبه عفيفا , قنوعا مما يعتلج في صدور العشاق من انفعالات وغرائر ...

وحدها انفعالات الاسى هي التي تبقى. يقول:-

رعاة الليل ما فعل الصباح وما فعلت أوائله الملاح

وما بال الذين سبوا فؤادي أقاموا أم أجد بهم رواح

وما بال النجوم معلقات بقلب الصب ليس لها براح

كأن القلب ليلة قيل يغدى بليلى العامرية أو يراح

قطاة غرها شرك فباتت تجاذبه وقد علق الجناح

لها فرخان قد تركا بقفر وعشهما تصفقه الرياح

إذا سمعا هبوب الريح هبا وقالا أمنا تأتي الرواح

فلا بالليل نالت ما ترجى ولا في الصبح كان لها براح

رعاة الليل كونوا كيف شئتم فقد أودي بي الحب المناح

انظر إلى المطلع لتعرف انه استحق لقب المجنون لا لجنونه الذي اختلف الرواة فيه بل لعدم وجوده بين البشر إلا جسما , إنه يتساءل ما الذي غيره الصباح في الدنيا؟ وكأنه ليس موجودا , ويسال من؟ يسأل رعاة الليل الذين يبيتون يرعون الليل في انتظار الكئيب انتظارا للصباح وكأنه سيغير واقعهم ولكن هيهات كما يقول امرؤ القيس

الا ايها الليل الطويل الا انجلي = بصبح وما الاصباح منك بأمثل

فلم إذن يطلب الصباح وهو ليس بأحسن من الليل؟

فهو لن يكون أحسن حالا في الصباح منه ليلا , ومع ذلك يطلب من الليل الانجلاء ليس حبا في الصباح بقدر ما هو كره في الليل

ونعود إلى مجنوننا الذي يسأل رعاة الليل كأنه لم يكن أولهم وقائدهم في ذلك، لأنه لا يشعر بوجوده

وما بال الذين سبوا فؤادي أقاموا أم أجد بهم رواح

وما بال النجوم معلقات بقلب الصب ليس لها براح

نفس معنى امريء القيس عندما قال

فيا لك من ليل كأن نجومه = بكل مغار الفتل شدت بيذبل

إلا أن نجوم امريء القيس مربوطة إلى جبل، بينما نجوم المجنون ربطت في قلبه , لأن قلبه ما زال يكتوي بعذاب الليل

كأن القلب ليلة قيل يغدى بليلى العامرية أو يراح

قطاة غرها شرك فباتت تجاذبه وقد علق الجناح

يغدى بليلاه أو يراح ليس متاكدا , الشيء الوحيد الذي كان يعرفه جيدا هو عذابه، فهو عذاب يجعل قلبه في شدة خفقنه وخوفه وفزعه، كقطاة كانت تمشي غافلة في أمان فغرها شرك فباتت ليلها تجاذبه , ولنقف على هذه المجاذبة التي أعطت معنى رائعا , تشد وترخي أملا في النجاة وليس هذا فقط

بل:-

لها فرخان قد تركا بقفر وعشهما تصفقه الرياح

إذا سمعا هبوب الريح هبا وقالا أمنا تأتي الرواح

قفر، فيه عش تصفقه الرياح،ولها فرخان فيه , فكيف ستكون حالها؟

ثم يصور حال الفرخين مع كل هبة ريح , تأتي لتجدد الأمل لديهما بقدوم أمهما , ولا تلبث الريح أن تولي حاملة معها كل خيط أمل كان يسليهما , ويصبرهما، وتاركة لهما الألم فقط ...

والنتيجة النهائية

فلا بالليل نالت ما ترجى ولا في الصبح كان لها براح

مع محبتي

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير