[هندسة النقد ... سقوط نظرية]
ـ[نورس بلا مجثم]ــــــــ[13 - 10 - 2006, 12:19 م]ـ
[هندسة النقد ... سقوط نظرية]
الحلقة الأولى
لم نعتد نقض المسلّمات المعرفية – إن كان لها وجود- واستكنا إلى نهل العلم والثقافة أيا كان مصدرها ونظرياتها وحيثياتها من دون إمعان التأمل فيما نأخذ، وأحطناه بهالة من قداسة علمية بحيث لم نجرؤ على مسائلة وتحكيم المادة والنص والثقافة والأشخاص أيضا، كما لو أنها غدت مسلمات لا يجوز مساسها.
و لكن, لماذا لا يكون لنا – كعرب – نظرياتنا النقدية التي ننتجها بأنفسنا؟ ولماذا لا نخرج – على الأقل- بنظريات مستقاة من النظرية العالمية لتكون امتدادا لها ووجها جديدا من وجوه المعرفة؟ أو تسليط الضوء على النظريات التي يشوبها الضعف وعدم الموائمة لما تطرحه من نقد في مجال معين، مع أن هذا الأمر موجود في الغرب، فكل يوم هناك جديد وكل يوم يتم تطوير النظريات والعلوم إلى ماهو أفضل وكل يوم يتم نقض نظريات ثبت فشلها.
ومن هنا، جاءت هذه المحاولة المتواضعة للوقوف على ماهية النظرية الانجليزية و العالمية التي بنيت على أساسيات علم الهندسة والتي تصف سير الحبكة للعمل الأدبي برسم بياني هندسي في محاولة للوقوف على الثغرات و الاخطاء التي تضمنتها النظرية النقدية لمحاولة تصحيح الأخطاء و العرض لها و الخروج بنظريات جديدة تحل محلها.
و من الأهمية بمكان أن نشير الى أن الدراسة تتناول الأسلوب و الشكل و السمات التي تتبعها كل من الأعمال السردية التقليدية أو الكلاسيكية و الحداثوية و الما بعد حداثوية كبناء سردي و العوامل و النظريات التي تساهم في افراز تلك الأنماط من السرد الثقافي و ليس التعرض لحقبة الحداثة الغربية و الحداثة البعدية أو ما بعد الحداثة من منظور ثنائية الأخلاق و الدين و مدى صلاحية أو ايجابيات أو سلبيات هذه الحقب من منظور سياسي و انساني بحت. فهو أمر مختلف تماما و بحاجة ماسة الى تناوله و الابحار فيه, مما لا يتسع مجال لذكره هنا.
لكي نتناول إشكالية المصطلح النقدي "النظرية النقدية الهندسية التي تصف سير الحبكة للعمل الأدبي" وحيث تشير هذه النظرية إلى أن الحبكة الأدبية تبدأ مع بداية السرد للعمل الأدبي ومن ثم تتصاعد الأحداث " Raising Action" وتصل إلى نقطة جديدة وهي العقدة في الحبكة أو الذروة للحدث " Climax" والتي تعتبر أعلى نقطة يصل إليها الحدث قبل هبوطه، ويلي بلوغ العقدة هبوط في تواتر الحدث، مما يقود العمل الأدبي نحو نهايته لبلوغ مرحلة الاقفال" Falling Actions". وبهذا نحصل على تصميم أقرب ما يكون إلى شكل المثلث بيد أنه يفتقد إلى ضلع ثالث مما يمنحه سمة عدم الاقفال أو الشكل المفتوح.
بعد تخيل هذا التصميم نلاحظ أن هذه النظرية قادرة على تفسير ووصف سير حبكة العمل التقليدي (الكلاسيكي) فقط دون إعطاء أدنى فكرة أو أي رؤية واضحة حول ماهية سير الحبكة للعمل الحداثوي وعمل مابعد الحداثة. وبالتالي فإن النظرية تتناول العمل الذي يتسم بوجود وحدتي زمان ومكان واضحتا المعالم، والترتيب المنطقي والمتسلسل للأحداث مع وجود نهاية واضحة وسهلة أو ما يسمى بالنهاية المنغلقة مما يمنح سمة الإقفال للعمل فيغدو العمل الأدبي الكلاسيكي عملا مقفلا ذو نهاية مغلقة، وهذه الشروط تنطبق على العمل التقليدي. ويتضح أيضا عدم ملائمة وموائمة هذه النظرية للأنماط الأدبية الحديثة مثل أدب الحداثة وما بعد الحداثة. فضمن مساحات أدب الحداثة – وفي أحيان عديدة- نجد أن الكاتب يستسهل عمله الأدبي من نهايته ومن ثم يعاود السرد، وعليه تكون النقطة الأولى (وهي نقطة البداية حسب النظرية المشار إليها آنفا) ماهي إلا مجرد نهاية، مثال طرح فكرة موت الشخصية الرئيسية في العمل في أول سطر سردي ومن ثم يعود الكاتب عن طريق عملية استرجاع ( Flashback) لكي يسرد الحكاية وأحداث الحبكة للوصول في النهاية إلى النقطة التي تم طرحها في أول جملة سردية. بناء على هذه النظرية فإن حبكة العمل تسير في مسار واتجاه واحد " One way reading" انظلاقا من نقطة البداية " Start Point" مرورا بنقاط تصاعد الحدث وصولا إلى عقدة العمل " Climax" ومن ثم نزولا مع هبوط
الحدث لبلوغ نقطة النهاية " End Point" وهناك أعمال عديدة لا تخضع لمثل هذا التنظير، مثل الأدب الحداثوي الذي لا يتسم باتجاه واحد على مستوى القراءة أو على مستوى البناء السردي وعدم توافر معالم واضحة لسير حبكة العمل الأدبي، مثل غياب وحدتي الزمان والمكان أو الانتقال المفاجئ عبر المسافات الزمانية والمكانية وعدم خضوع تسلسل الأحداث للترتيب المنطقي، وغيره كثير.
وبالتالي يتضح لنا أن هذه النظرية تصلح لوصف مسار حبكة الحدث في العمل الكلاسيكي التقليدي ذو البداية الواضحة والتسلسل المنطقي للأحداث والنهاية المقفلة، لاغير. ومع هذا فإن هذه النظرية لم تنضج بعد ولم تصل إلى أدنى مستوى من الاكتمال – فببساطة- كيف نقوم بوصف سير الحبكة الأدبية للأعمال ذات النهاية المقفلة باستخدام تصاميم مفتوحة؟
ومن الأهمية بمكان أن نشير إلى أن الحبكة في أي عمل أدبي تحتوي على مستويان هما: حبكة الحدث، وحبكة الشخصية التي تمثل الحالة الذهنية والسيكولوجية للشخصيات. وعليه، فنحن بحاجة إلى توفر مساحة ضمن التصميم الهندسي تصف حبكة الشخصية في العمل حيث يقتصر التصميم على خط مسار حبكة الحدث في العمل.
ومما سبق، نلاحظ وجود خطآن فادحان في التصميم، اولهما، أنه لدينا تصميم ذو شكل هندسي مفتوح يصف حبكة العمل المقفل، وفي هذا تناقض واضح- مما يفيد عدم اكتمال هذا التصميم. وعليه، نحن بحاجة إلى رسم ضلع ثالث ليصبح لدينا تصميم مغلق (مثلث مغلق.
وثانيهما، هو عدم قدرة النظرية على تفسير سير حبكة العمل الحداثوي وما بعد الحداثوي.
نورس بلا مجثم ..... أنهكه التجوال المتوحد الحزين .... و أتعيه الطيران
الصين
Email: meyouandearth2006***********
¥