تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ما هذا يا أهلَ الروايةِ؟!

ـ[المعتمد بن عباد]ــــــــ[22 - 12 - 2005, 01:02 ص]ـ

ما هذا يا أهلَ الروايةِ؟! >>

>>

>>

كان شيخنا في القاعة يتحدث عن الروائي المصري نجيب محفوظ , ومن خلالِ حديثِهِ وشرحِهِ تبيَّن لي إلمامُهُ الكبيرُ والجيدُ حولَ فكرِ نجيب محفوظ ورواياتِهِ التي ملأتْ أرففَ المكتباتِ هنا وهناك ومن حسنِ الحضِّ أنَّني قد قرأتُ له في الماضي روايةً اسمُها " اللصُّ والكلاب " , ولاحظتُ أثناء قراءتي لها كثرةَ الألفاظِ العاميةِ المصريةِ المبتذلةِ وكنتُ متعجباً في تلك الفترةِ من هذا الإسفافِ والهَذْر كيف يسمًى أدباً؟! >>

هذا بخلافِ عيوبٍ أخرى وسقطاتٍ كُبرى ليس هذا موضعُهاُ الآن.>>

>>

والواقعُ أنَّني لما رأيتُ شيخنا على هذا القدرِ العالي من المعرفةِ حولَ شخصيةِ نجيب محفوظ طرحتُ عليه هذا السؤال:>>

>>

بحكمِ قراءتك يا شيخُ لهذا العددِ من رواياتِ نجيب محفوظ هل قرأتَ روايتَهُ " اللصُّ والكلاب "؟ >>

>>

قالَ الشيخُ: نعم.>>

>>

قلتُ ألا تلاحظ أنَّ فيها مجموعةً كبيرةً من الألفاظِ العاميةِ المبتذلةِ التي شوَّهتها وحطَّتْ من قيمتِها الأدبيَّةِ والفنيَّةِ.>>

>>

قالَ الشيخُ: نعم , فيها ما ذكرتَ , ولكنَّ دخولَ الألفاظِ العاميةِ فيها لا يعدُّ عيباً وخاصةً في الحوارِ بين الشخصياتِ؛ لأنِّ الروائيَ يحتاجُ إلى هذا في النص!. >>

>>

وقد أثارَ هذا الردُ في نفسي دهشةً كبيرةً جداً!! >>

>>

وممَّ زادَ من دهشتي أيضاً ما أضافَهُ لي أحدُ الفضلاءِ بعد خروجنا من القاعةِ , حيثُ ذكرَ لي ما مضمونه: إن بعضَ النقادِ والروائيين قد تواطَؤا على أنَّه يجوزُ للروائي أن يوردَ في نصِهِ لفظةً عاميَّة ولا تثريبَ عليه! >>

ما دامَ أنَّه يستطيعُ توظيفَها في النصِ الأدبي توظيفاً فنيَّاً!.>>

>>

>>

>>

>>

>>

وضربَ لي بكلمةِ " طز " مثالاً على ذلك قائلاً: إنك لا تستطيعُ إيجادَ كلمةٍ في العربيةِ يمكنُ أنْ تسدَّ في النصِّ مسدَّها , وتكونَ بهذا الإيجاز , فإذا قلتَ في الروايةِ " لا أكترثُ " أو " لا أبالي " أو نحوها من الألفاظِ فإنك حتماً لا تجدُ نفسَ المعنى الذي تمنحُكَ إياهُ كلمةُ " طز ".>>

>>

لم أكدْ أصدٍّق أنَّي أسمعُ مثلَ هذا الكلامِ بهذه السهولةِ وعدمِ الامتعاضِ, فضلاً عن سماعِهِ من أكاديميين ومثقفين بهذا المستوى الرفيع!.>>

>>

لا أدري كيف يستحسنُ القارئُ الأكاديميُ أو النخبويُ المثقف هذه الرواياتِ التي شوَّهتْ أجسادها تلك الألفاظُ العاميَّةُ البغيضةُ؟؟ >>

إنها أشبهُ بدوائر البرص البيضاء في جسد الجميلة الحسناء , فماذا يُغني الحسنُ بعدها؟ وماذا يُجدي الجمال؟ >>

>>

إنَّ هذه الأعذار التي مرًّتْ بنا آنفاً لا تُبرِّرُ أبداً أنْ نسمحَ بهذا الزحفِ العامي على الأدبِ الفصيحِ أو نسكتَ عنه.>>

فالحوارُ يمكن أن يوظِّفَهُ الروائيُّ المبدعُ توظيفاً فصيحاً جَزْلاً دون أنْ يملَّ القارئُ أو يسأم , وهذا هو شأن الأدباءِ المطبوعين في إنتاجِهِمْ الإبداعي الذي تتسلسلُ فيهِ لغتُهُمْ الفصيحةُ الجزلةُ من أولِ النصِ إلى آخرِهِ دونَ ورودِ لفظةٍ عاميةٍ واحدةٍ بحجةِ خدمةِ الحوارِ أو غيره , ولكي أثبتَ ذلك أسُوقُ أجزاءً من قصَّةٍ قصيرةٍ و أخصُّ منها بالنقلِ الحوارُ الذي دارَ بين بطليها , و أترُكُ لكَ المقارنةَ بينه وبين أيٍّ من حواراتِِ أبطالِ نجيب محفوظ. >>

>>

>>

>>

" بدايةٌ مُتعثّرةٌ للقائهم الأخيرِ، وعلى غيرِ العادةِ قضوها في الكلامِ الجارحِ. >>

كرّرَ العِتابَ على مسمعِها، وبالغَ في زجرِها والتعنيفِ عليها، كانتْ مُطرقةً لا ترفعُ رأسها، ولا يُسمعُ منها غيرُ تردادِ النفسِ، تقطعهُ أحياناً شهقةٌ تُبدّدُ صمتَ هديرهِ المُتوالي. >>

لم يكن ليبالي في حديثهِ أو يهتمَّ لمشاعرِها، ينزلُ عليها مثلما ينزلُ السيلُ من قممِ السفوحِ على بطونِ الأوديةِ. >>

قسا عليها كما لو كانَ يضربُ بقطعةِ فولاذٍ على صخرةٍ قوّيةٍ، لا يُدركُ أثرَ كلامِهِ أو وقعهُ عليها. >>

كانتْ مُصغيةً بذهولٍ وهو يزمجرُ، يظنُّ أنَّ القسوةَ تستردُّ ما تاهَ من المشاعرِ أو تبخّرَ من العاطفةِ، وبينما هو يصرخُ ويُقرّعُ، حانتْ منها نظرةٌ مُباغتةٌ إلى عينيهِ. >>

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير