[فوضوية المصطلح النقدي في العصر الحديث]
ـ[أنشودة المطر]ــــــــ[19 - 04 - 2005, 05:27 م]ـ
رؤية في:
[فوضوية المصطلح النقدي في العصر الحديث]
أسماء السقيلي
في ظل انفتاح العالم العربي على مختلف الحضارات الشرقية و الغربية أصبحت تنهال عليه من كل حدب و صوب علوم ومعارف شتى , وما إن كانت اللغة العربية هي لسان هذا العالم , و المتحدث الرسمي عن حضارتها حتى غدت محط اهتمام الدارسين الغربيين , فدرسوا علم اللسان " اللسانيات " وانطلقوا بمجاديفهم حتى أرسوا لنا المدارس النقدية الحديثة التي سطعت على عالمنا العربي بأسسها و مصطلحاتها , فكان من الطبيعي أن يتقدم العالم العربي مع هذا التقدم و أن يعيش مع هذا الواقع الجديد قلباً و قالبا ..
فأخذ المترجمون يفدون على الغرب لنقل هذا العلم ودراسته دون أن يتفطن الباعثون لتخصصاتهم ومدى قدراتهم حتى بتنا بين مصطلحات علمية و نقدية عائمة على اختلاف دقة الترجمة و التعريب من عدمها. لذا كان من الواجب على مجامع اللغة العربية أن تأخذ بلجام تلك المصطلحات المتدفقة و تعمل على بلورتها في قوالب ثابتة محددة.
لكن تَرك الحبل على الغارب أفضى إلى أن أصبح المصطلح النقدي يعيش حالة من الفوضى فلا هو إلى هؤلاء و لا إلى هؤلاء! , فبعد أن كان لكل مصطلح نقدي جذوره الراسخة في بواطن اللغة , أصبح يعيش حالة اضطراب و تذبذب فلا نجده يستقر على حالة واحدة لا على سبيل المنهج النقدي فحسب بل على سبيل الأفراد أيضاً. مما جعلنا أمام نوع جديد من المصطلحات وهي المصطلحات الشخصية , فكان لكل ناقد مصطلحاته الخاصة التي يتعامل بها في منهجه النقدي. فالناقد التي يستخدم كلمة " التشريحية " مثلا ليس بالضروري أن يستخدمها ناقد آخر بنفس المدلول النقدي ... وهذا يدفعني إلى القول بأن المصطلح النقدي الحديث اتسم بالذاتية و تعدد الدلالة , وهو ما أراه أنه ينتفي مع جل التعريفات الكثيرة حول ماهية المصطلح , منها ما عرفه د: كريم زكي بأنه" نمط تعبيري خاص بلغة ما , يتميز بالثبات , و يتكون من كلمة أو أكثر , تحولت عن معناها الحرفي إلى معنى يغايره اصطلحت عليه الجماعة اللغوية" (1)
ويعرفه جبور عبد النور بأنه " لفظ موضوعي يتواضع عليه المختصون بقصد أدائه معنى معيناً بدقة و وضوح بحيث لا يقع أي لبس في ذهن القارئ أو السامع لسياق النص" (2)
فقلة عدم المختصين بعلم المصطلح , وقلة التفاعل المثمر و انعدامه بينهم هو الذي مخض عن وجود تلك الأزمة التي يعيشها المصطلح النقدي.
يقول د: عناد غزوان" إن ميل المصطلح النقدي نحو الواحدية في المفهوم لهو دليل على سلامة صناعته أو بنائه ,
وإن ولادته الطبيعية ستقرر منذ البدء مستلزمات استقراره في الفكر النقدي الأدبي, وإذا خرج عن هذه الواحدية نحو التعددية فإنه سيولد مشوهاً لا تعرف له هوية معرفية حيث تبرز الأزمة في فهم المصطلح , ومن ثم في تطبيقه في
الدراسات النقدية , وهذا ما نلحظه في كثير من الأحيان في الكتابات النقدية الحديثة و المعاصرة من سوء فهم
لهذه الحقيقة حيث يستعمل الكتاب و النقاد مصطلحاً ذا مفاهيم متعددة أو مفهوماً ذا مصطلحات متعددة" (3)
ولعلي أعزي تلك الفوضوية إلى أسباب عدة:
أولها:" غياب التنسيق بين الباحثين فيما يختص المصطلحات في القطر العربي الواحد" (4) وبتعبير أدق انعدام وجود مراكز عربية تختص بالمصطلحات و تتفرغ بوضع قواعدها و أسسها , فإذا لم تتواجد تلك القواعد ولا تلك الأسس فإن الطريق يكون ممهداً لكثير من الباحثين لوضح مصطلحات فردية تتسم بالفوضوية , و بهذا " يفقد المصطلح حمولته الدلالية الموضوعية المرتبطة بمرجعية محددة واحدة , ليستبدلها بأخريات متعددة بتعدد واضعيها واختلاف مستوياتهم , مما ينعكس سلباً على كفاية المصطلح الإجرائية ودوره الفعال في توحيد المعلومات و تيسير تداولها " (5)
ثانيها: أن أغلب المصطلحات الحديثة غربية المنشأ , متعددة اللغة , وصلت إلينا عن طريق الترجمة التي باتت قاصرة عن الإدلاء بالتعبير اللغوي الدقيق للمصطلح الغربي , فشاعت بين أيدي النقاد عدداً من التراجم لمصطلح واحد , فكل ناقد يأخذ بالترجمة التي تملي عليه ذوقه و منهجه.
¥