[أولئك آبائي .. ! قراءة في منجزنا النقدي .. (الحلقة الأولى)]
ـ[ابن الشمس]ــــــــ[18 - 12 - 2004, 06:52 م]ـ
مرحبا بكم ..
أشعر دائما أني مدين لكثير من الرجال .. لكثير من المنجزات .. لكثير من اللحظات التي شهدت ولادة هذا المنجز أو ذاك .. و من هنا بزغت في ذهني شمس فكرة أحسبها اعترافا حييا جدا بالجميل لقوم أثرونا كثيرا .. و مازالت منجزاتهم حية ترزق بعد أن رحلوا هم .. أفلا يسوغ لنا أن نذكرهم .. و نذكّر بهم .. ؟
فكرتي -أيها الأصدقاء- تتلخص في قراءات موجزة في منجزاتنا النقدية (و لقد اخترت هذا الفرع تحديدا-أعني النقد- بحكم قربي منه و تخصصي فيه) هذه القراءات هدفها التعريف بتلك المنجزات و أثرها و قيمتها العلمية و هكذا .. بيد أنها لا تغني المتخصصين و لا تسد رمق جوعهم إلى المعرفة .. هي فقط تفتح الفجوة الأولى التي يتسلل من ضوء المعرفة ..
و المنهج الوحيد لهذه القراءات هو أنها بلا منهج!! .. هي فقط رحلة في أفياء منجزاتنا النقدية و لقد أحببت أن تشاركوني فيها .. فإلى الحلقة الأولى ..
ابن رشيق القرواني
تعريف موجز:
هو أبو علي الحسن بن رشيق القيرواني الأزدي، ولد في نهايات القرن الرابع الهجري في مدينة (المحمدية) في المغرب العربي، وكان ذا ميول أدبية فاتجه إلى القراءة، ورغب في الاستزادة من علوم اللغة والأدب، فرحل إلى القيروان ولما يبلغ السابعة عشرة، واتصل ثمة بالمعز بن باديس وابنه تميم وأهل العلم والأدب فاشتهر أمره ونبه ذكره.
تتلمذ على يد أشهر علماء عصره كالقزاز النحوي صاحب (الضرائر الشعرية) وعبد الكريم النهشلي صاحب (الممتع في علم الشعر وعمله) وغيرهما.
توفي رحمه الله غرَّة ذي القعدة سنة 456هـ عن ست وستين سنة.
مؤلفاته:
ترك ابن رشيق آثارًا نقدية جُلَّى يتصدرها كتابه (العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده) وسيأتي – لاحقًا – حديث مفصّل عنه.
وله أيضًا (قراضة الذهب) الذي صنّفه للرد على ابن شرف الذي اتهم ابن رشيق بالسطو على آراء أستاذه عبد الكريم النهشلي.
ولابن رشيق كتاب (أنموذج الزمان في شعراء القيروان) ويسمى في بعض النسخ (الأنموذج في الشعراء) وهو ترجمة مفصّلة لشعراء القيروان في عصره.
وإضافة إلى تلك الكتب فلابن رشيق عدد من الرسائل المفقودة.
جهوده النقدية: يُعَد كتاب ابن رشيق (العمدة في محاسن الشعر) واحدًا من أهم المنجزات النقدية العربية قديمًا، ويُعدّ – أيضًا – موسوعة نقدية بالنظر إلى ما أُلف قبله من كتب النقد الأدبي في المشرق وقتذاك.
لقد أحدث (العمدة) نُقلة نوعية في الجهود النقدية العربية؛ ذلك أن المؤلف اطلع على دواوين العرب واستوعبها، وألمَّ بما صنّف قبله من بحوث في اللغة والأدب والنقد والبلاغة وأحاط بها علمًا وفهمًا فهضمها وتمثلها.
ولعل أبرز القضايا النقدية التي تضمنها كتاب العمدة:
1 - موسيقا الشعر:
عقد ابن رشيق فصلاً في فضل الشعر، ورأى أن المزيّة للشعر إذا اتفق هو والنشر في طبقة واحدة ذلك أن للشعر نظامًا موسيقيًا مميزًا يعطيه الأفضلية على نظيره.
وفي بابي الأوزان والقوافي قرر ابن رشيق أن الوزن أعظم أركان الشعر وأولاها به خصوصية، والوزن مشتمل على القافية وجالب لها ضرورة والمطبوع يستغني بطبعه عن معرفة الأوزان حتى أن ابن رشيق لا يعد التضمين العروضي عيبًا إذا كان الشاعر مجيدًا.
2 - الطبع والصنعة:
حظيت هذه المسألة – وبخاصة جانب الصنعة – باهتمام ابن رشيق، ولنا أن نزعم أن كتابه كله دليل لصنعة الشعر.
وقد عرّف المطبوع من الشعر بأنه ما وضع أولاً، وهو الأصل وعليه المدار والمصنوع هو الذي وقعت فيه الصنعة من غير قصد ولا تعمل، وهذه الصنعة قديمة مارسها جماعة من المحسنين الذين سموا (عبيد الشعر).
وقد أفاض ابن رشيق الحديث عن الطبع والصنعة، وتفاوت الشعراء في ذين المفهومين، وعن العادة التي يستدعي بها صاحب الصنعة شعره كالخلوة والنزهة والسماع والشرب.
كما تحدث عن البديهة والارتجال وذكر أن وقوعهما للمطبوع أكثر وأولى، وهما يدلان على الانهمار والتدفق عند الشاعر.
3 - حَدّ الشعر وبنيته:
تابع ابن رشيق في وقوفه عند حد الشعر ما قاله السابقون من أن الشعر يقوم على أربعة أشياء هي اللفظ والوزن والقافية والمعنى، بيد أنه زاد (النية والقصد) شرطًا لتمييز الشعر.
¥