[مقاربات تطبيقية في الأدب المقارن الجزء الثانى]
ـ[زيد الخيل]ــــــــ[24 - 10 - 2005, 12:54 ص]ـ
أثر الرواية الغربية الحديثة في الرواية العربية أثر "الصخب والعنف" لوليم فوكنر في "ما تبقى لكم" لغسان كنفاني
ماهية الرواية الحديثة:
يحسن بنا أن نتوقف في البداية عند تعريف سريع للرواية الحديثة، التي تدعى أيضا رواية "تيار الوعي" (1) وهي تمثل ثورة حقيقية على الاتجاه التقليدي الذي كان في القرن التاسع عشر، وقد بدأت هذه الثورة مع الإنجازات العلمية المذهلة في بدايات القرن العشرين تقريبا.
لو تأملنا الجذور التاريخية لرواية تيار الوعي لتأكد لنا أن الإنتاج الأدبي الجيد ليس دورانا في الفراغ، أو وحيا يهبط من السماء فجأة، وإنما هو تتويج لجهود سابقة، ولتطورات مستمرة في تاريخ الجنس الأدبي الذي ينتمي إليه، فهذا من شأنه أن يؤكد أن الأسلوب الحديث في الكتابة استمرار لجهود سابقة، تبرزها جهود لاحقة وذلك بالإضافة إليها، الأمر الذي يعني شرعية انتمائها إلى الجنس الروائي، ويوضح مدى هذا الانتماء.
مع بداية القرن التاسع عشر ظهرت روايات تتخلى عن رسم الشخصية من الخارج، قي بعض مقاطعها، وتلتفت إلى أعماقها (دوستفسكي، جين أوستن، هنري جيمس) لكنها رغم ذلك، بقيت هذه الرواية وفية للتقاليد التي أرساها الرواد، وخاصة ما كان منها متصلا بالمحافظة على الأبعاد الروائية الثلاثة: الحدث، الشخصية، اللغة الروائية.
ابتدع وليم جيمس، أحد علماء النفس مصطلح "تيار الوعي" وقد استقر اليوم بوصفه مصطلحا أدبيا، يستخدم للدلالة على طريقة تقديم الجوانب الذهنية والشعورية للشخصية، إذ تهتم الرواية بالمستويات غير الكاملة (مستوى ما قبل الكلام بما فيه من كلام وأفكار ومشاعر وذكريات) وبذلك لا تخضع للمراقبة و التنظيم والسيطرة على نحو منطقي، فتبدو الذكريات والأفكار والمشاعر أشبه بتيار مضطرب في الأعماق، عندئذ ينكشف أمامنا الكيان النفسي للشخصية.
والحقيقة أننا لا نجد تقنية واحدة لرواية تيار الوعي، وإنما نجد عدة تقنيات، كذلك لا نستطيع أن نقول إن هذه الرواية تنتمي للأدب السيكولوجي فقط، بل تنتمي إلى علوم وفنون أخرى، فقد امتصت كل الأجناس الأخرى، إنها تنافس الشعر ... عندما تمتلئ بالاستعارة أو عندما تلعب بموسيقى الكلمات وتأخذ من المسرح المنولوج والحوار ... وتستعير من النقد الأدبي غاياته، عندما تقدم بنفسها نظريتها في الأدب، كما تفسح مكانا للفلسفة، وتستعين بالموسيقى، فقد أعطى كل من بروست وجويس وبوتور لأعمالهم بنية موسيقية، بوساطة تركيب الفقرات والإيقاع ورنين الجملة، وقد نجد روايات مستمدة من لوحة فنية. (2)
إن التجربة الإنسانية، التي تمتزج فيها العوالم الخارجية بالعوالم الداخلية لا يمكن أن تحد أو أن تكتمل، إذ تختلط فيها معطيات عقلية (المفاهيم، الأحاسيس، التخيلات، الذكريات ... ) ومعطيات روحية (الحدس، الرؤية، البصيرة ... ) ولا شك أن الفصل السابق بين هذه المعطيات فصل غير دقيق، إذ كثيرا ما تبدو ممتزجة بعضها ببعض.
وهكذا فإن مجال الحياة الذي يهتم به أدب تيار الوعي هو التجربة العقلية والروحية من جانبيها المتصلين بالماهية والكيفية، وتشتمل الماهية على أنواع التجارب العقلية من الأحاسيس والذكريات والتخيلات والمفاهيم وألوان الحدس، كما تشتمل الكيفية على ألوان الرمز، وعمليات التداعي، ويكاد يكون من المستحيل أن نميز الكيفية عن الماهية! فهل الذاكرة مثلا جزء مما يحتويه الذهن أم أنها عملية ذهنية؟ ومثل هذا التمييز الدقيق ليس بالطبع من مهمة الروائيين، وإن كانوا يكتبون رواية تيار الوعي بهدف توسيع قدرات هذا الفن وذلك بتصوير الحالات الداخلية لشخصياتهم، وبذلك يستطيع الإنسان، بفضلها أن يحتفظ بعلاقات مع الحياة في مجموعها.
الشخصية:
تريد الرواية الحديثة أن تتخلى الرواية عن زخرفة الشخصية التي في نظرها ليست إلا قناعا يخفي دون فائدة وجه المؤلف، كما يقول كونديرا (3)
¥