تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[((حال الأدب في المدارس: أحسنوا دفن موتاكم!!))]

ـ[عبدالوهاب]ــــــــ[18 - 10 - 2006, 08:53 م]ـ

[((حال الأدب في المدارس: أحسنوا دفن موتاكم!!))]

إن المتأمل في مناهج الأدب العربي في مدارس التعليم العام، يلحظ أول ما يلحظ انفصال المسمى " الأدب العربي " عن محتواه، فمقررات " الأدب العربي لا تُعنَى بالأدب في جانبه الإبداعي والجمالي والتذوقي والتحليلي قدر عنايتها بالتاريخ السردي المطول للأدب، وتطوره وتمرحله وتشكله في عصوره المختلفة، وترجماته المسهبة عن الشعراء والأدباء .......

إن هذا النسق التعليمي، في دراساتنا الأدبية، خطير، ومضر للغاية. ففي مرحلة باكرة في حياة الدارسين، والتي يحتاج النشءُ فيها لبناء ملكةٍ تذوقية، تتذوق الفنون الإبداعية وتأسيس قاعدة لغوية متينة؛ يجنح تعليمنا إلى تكريس غبائية التلقي، وتبلد التأثر بالفنون الجميلة، وقطع التواصل معها انفعالاً وتأثراً؛ من خلال حشوه وتبنيه للمذهب التاريخي في تدريس الأدب،وغدت النصوص الجميلة ومهارات التحليل وملكات التذوق الأدبي ــ نتيجة للوضع القائم ـــ في مناهجنا أندر من الكبريت الأحمر!!

إن الأدب في مدارسنا، في مرحلته الراهنة، وحالته التي حاولنا توصيفها في الجمل السالفة، لا يعلم أدباً، وإنما يعلم تاريخاً أدبياً، فيه كثيرٌ من الهذر والإسهاب، وهذه من مقتضيات الفن التاريخي ولوازمه ....

في البدآية، لنتفق أولاً: أنه ليس لدينا مناهج للأدب بفضاءاته الإبداعية، في جانبها التذوقي والتحليلي، أو أي ممارسة للتذوق الجمالي. وإن ما نَدْرُسه أو نُدَرِسه في مدارسنا هو تاريخ الأدب، وهو شيء آخر، يختلف تماماً عن الأدب ..... تلك الطاقة المحفزة للمواهب المطمورة، وقبطان الهداية للعوالم الإبداعية المتفتحة على الفضاءات الشعرية والنثرية؛ من خلال استفزاز النصوص المقدمة للدارس نفسياً وفنياً. هذا إذا كانت النصوص الموجودة في مناهجنا تقوى على ممارسة هذه اللعبة الكبيرة.

إن الاعتماد على الإطار التاريخي منفرداً في تدريس مقررات الأدب، والفنون القولية، فيه خطورة عظيمة، وهو سرطان يشل كلّ مقومات الإبداع، والنضوج الأدبي، ليس في جانبها الإبداعي وحده، بل يتمدد ليمسخ الذوق الفني والتذوق الجمالي كُليةً ....

ويبدو أن القضية ليست وليدة الساعة، بل هي قديمة، ولها مناقشات ومباحثات في الدرس التربوي الذي يشتغل على طرق تدريس علوم اللغة العربية. يقول جودت الركابي في كتابه (طرق تدريس اللغة العربية):" اتخذت دراسة تاريخ الأدب في المناهج القديمة سبيل الاهتمام بالموضوعات النظرية التي كانت تطغى على المادة الأدبية نفسها، حتى أصبح تاريخ الأدب يدرس في عزلة تامة عن الأدب. وكان على التلميذ أن يتقبل الأحكام والقضايا دون الاهتمام بأسبابها ودواعيها واستنتاجها من النصوص. وهكذا فقد سادت الطريقة التلقينية التي شلت حرية التلميذ وأبعدته عن فهم النصوص واستنتاج الخصائص منها."

فالاعتماد على الإطار التاريخي ــ منفرداً ــ في تدريس مقررات الأدب والفنون القولية (الإبداعية)، فيه جناية عظيمة، متمثلة في شلِّ مقومات الإبداع، والنضوج الأدبي. وهذا ما يعطي أسباباً كافية لضيق كثير من الطلاب بمقررات الأدب وتصنيفها ضمن قائمة المواد المتحجرة والمحترقة، والأبرع فيها ذاك الطالب كثير الحفظ، للتواريخ والأحداث والأحكام الجامدة، دون أدنى معرفة لما ترمز إليه أو ما تعنيه.

وفي حراكنا التربوي (السعودي)، ناقش الدكتو / حسن الهويمل هذه القضية في كتيبه الموسوم بـ (النص الإبداعي التربوي " إشكالية الاختيار والدرس") الصادر عن مجلة (المعرفة) التابعة لوزارة التربية والتعليم. وهو كتيب صغير الحجم، جليل الفائدة والأثر، وقد ناقش فيه الدكتور الهويمل إشكالية اختيار النصوص الأدبية و إشكالية تدريسها وتقديمها للدارسين بأسلوب أكاديمي / نقدي رصين، وبمسؤولية تربوية، وخبرة تعليمية من قاعة الدرس، عمرها 35سنة. داعياً إلى تربية الذوق النقدي والتذوقي والتحليلي والجمالي، واستثمار كل فروع اللغة العربية: النحوية والصرفية والبلاغية والدلالية والأسلوبية والموسيقية، وتسخيرها لخدمة النص الأدبي وتحليله، وأن تكون دراسة النص الأدبي منطلقة من النص وعائدة إليه. وأن تتسع مهمات النص المختار، بحيث نضع في اعتبارنا مهمات الحفظ، والقراءة والدرس، وممارسة أدوات النحو والصرف والبلاغة. ويرىـ أيضاـ ضرورة استثمار المناهج الحديثة في الدرس الأدبي، وأن نبتعد ـ في ذات الحين ـ عن تبنيها والدخول فيها ونفي ما سواها والاعتزاز بالماضي والخضوع لهيمنته ......

لكن هذه الدراسة وجدت طريقها ممهدا لأدراج وزارة التربية شأنها شأن غيرها من البحوث والدراسات في الدول النامية .... ومازال المنهج يتخبط في عشوائيته وثمرته التي تحسب له هي موت الابداع وغرابته في مجتمعنا، فلم نعد نرى بين طلابنا وزملائنا من يتأثر بقصيدة جميلة بل العكس تماما، لانرى إلا التذمر والتأفف ... فيما يشبه حالة مسخ أدبي شامل أصبحت معه القصيدة العربية التي سهرلها أجدادنا واختصموا غريبة الزمان والمكان حتى خلا الجو لتلك القصيدة الشوهاء ((الشعبية)) و ((النبطية)) فباضت واصفرت ......

* عبدالوهاب بن حسن النجمي

[email protected]

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير