تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[مقاربات تطبيقية في الأدب المقارن الجزء الاول]

ـ[زيد الخيل]ــــــــ[24 - 10 - 2005, 12:48 ص]ـ

المقدمة:

يتيح لنا الأدب معرفة الإنسان في الإنسان، كما يقول دوستويفسكي، وعبر هذه المعرفة يبرز لنا الجوهر المشترك للإنسان، عندئذ ننطلق إلى عالم الأخوة التي تجمع الأنا بالآخر.

ولو تأملنا هذا الجوهر لوجدناه لا يتبلور إلا بالتفاعل مع الآخر، من هنا تبرز أهمية الدراسات الأدبية المقارنة التي تقدم علاقاتنا مع الآخر وحوارنا معه، وبذلك باتت تشكل اليوم إحدى صور العلاقات بين الأمم التي تسهم في حوار الحضارات، ولاشك أن مثل هذا الحوار يعترف بالآخر شريكنا في بناء الحضارة، لا الآخر المستعمر الذي يبغي إلغاء هويتنا وتدميرنا!

إن هذا القول يعني أولا نبذ التعصب، وعقد ة التفوق، ويعني الانفتاح على إنجازات الآخرين، فالإبداع ليس حكرا على أمة بعينها، وإنما ملك الإنسانية جمعاء، لذلك من البديهي أن يكون الإبداع وليد الانفتاح على حضارات أخرى، وعدم العزلة، لأن العزلة تعني إغراقا في الذات وابتعادا عن معطيات العصر، وبالتالي تخلفا أو في أحسن الأحوال دورانا حول الأنا القومية، والمبالغة في إنجازاتها وغض الطرف عن سيئاتها وما تعانيه من أمراض الجهل والتخلف، فأي تطور لا بد له من الاطلاع على إنجازات الآخر الذي سبقنا في مجال العلم كما سبقنا في مجالات الأدب والدراسات النقدية، فالتعلم ممن سبقنا مرحلة لا بد منها في البداية، والتعلم شئ والتقليد شئ آخر، لأن التعلم خطوة أولى نخطوها نحو التطور والحياة، لكن التقليد خطوة نهائية نخطوها نحو الموت، عندئذ نبرز عجز الأمة عن تجاوز الآخر، فأي إبداع أصيل قد يحوي تأثرا بالآخر لكنه يحتوي في الوقت نفسه خصوصيته، أي بصمته الخاصة.

إن التأثر بالآخر أمر لا مفر منه اليوم، شئنا أم أبينا، ففي عصر الاتصالات الحديثة والمذهلة في سرعتها، يغزونا الآخر في عقر بيوتنا، بغية مسخ شخصيتنا، كي نكون تابعين له لا مبدعين مثله، المهم أن نعي أهمية أن نكون أنفسنا وضرورة الثقة بها، ولن تتحقق هذه الثقة إلا بالتمسك بكل مقوماتنا الشخصية التي صنعت لنا حضارة خاصة، وجعلتنا نمتلك صوتا متميزا في هذا الكون، هو صوت الإبداع.

إننا اليوم أحوج ما نكون إلى الإبداع في المجالات كافة، وهذا لن يكون إلا بالاستفادة من إنجازات الأجداد الذين سبقونا والمعاصرين الذين نعايشهم ليتم تجاوزها إلى أفق رحبة تفسح المجال للمشاركة في التطور الإنساني، فنكون أبناء عصرنا فاعلين في حضارته، عندئذ لن يستطيع أي غزو أو مؤثر خارجي إلغاء شخصيتنا أو طمس هويتنا.

من هنا تبرز أهمية الدراسات المقارنة، إذ تتيح لنا معرفة ذواتنا والثقة بأنفسنا، إذ نستطيع أن نستجلي عبرها الدور الذي قامت به حضارتنا الإسلامية في بناء الحضارة الإنسانية، فنكتشف أننا لم نكن عالة على الآخر، بل على النقيض كان هذا الآخر عالة علينا، لذلك نستطيع اليوم أن نرى أنفسنا بموضوعية عبر مرآة الدراسات الأدبية المقارنة، فنرى مدى ما أصاب هذه الصورة من تشوه أو جمال.

تبرز خطورة الأدب في كونه يؤثر في وجدان المتلقي عبر لغته الجميلة، كما يؤثر في عقله عبر أفكاره ومثل هذا التأثر لن يكون تأثرا بسيطا، ينسى بعد لحظات، إنه تأثر يحفر عميقا ليؤثر في بناء الشخصية من الداخل، وينعكس على سلوكها ومجمل القيم التي تتبناها في حياتها.

ولعل اقتران مصطلح المقارنة بالأدب يسعف الباحث بأدوات عقلية نقدية، تبرز الجميل والمفيد، كما تبرز المسيء لأذواقنا والمشوّه لبناء شخصيتنا، كما أن استخدام المقارنة يفيد في تلمس مواطن الإبداع في الأدب نجدها تفيد في تلمس مواطن التقليد فيه! أي تفيد في معرفة كيفية تلقي المؤثرات الأجنبية ومدى اعتمادنا على الآخر وتقليده (حين نبحث في الصفات المشتركة بيننا وبينه) ومدى اعتمادنا على ذواتنا وتأسيس أدبنا على الابتكار! (حين نبحث عن الصفات الذاتية التي كونت أدبنا) فيكون تأثرنا بالآخر تأثرا إبداعيا، يستفيد من إنجازاته، ويستطيع تجاوزها بفضل الإبداع.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير