البنيوية .. أرادوها شراباً .. فكانت سراباًَ .. !
ـ[وضحاء .. ]ــــــــ[26 - 09 - 2006, 05:43 ص]ـ
المفهوم:
اشتقت البنيوية من لفظ (البنية)، التي تعني: تكوين الشيء، أو الكيفية التي شُيِّد عليها.1
ويُقصد بها في علم اللغة مجموعة مركبة من العناصر المتماسكة، والمتداخلة فيما بينها، بحيث تُلغى فكرة التفرّد؛ بل يتوقّف كل عنصر على بقية العناصر الأخرى، ومدى علاقته بها؛ فتكون البنيوية عبارة عن دراسة العلاقات بين البنى المختلفة في النص الأدبي. 2
وقد لخّص القول (دي سوسير) – الذي يُعدّ أبو البنيوية- بأنها (تنظيم ... يعبّر عن تماسك العلاقات داخل ذلك النص الموحّد). 3
أما عالم الاجتماع ليفي شتراوس فإنه يعرّفها بأنها (مجرد منهج أو نسق يمكن تطبيقه على أي نوع من الدراسات).4
يُفهم من ذلك أن البنيوية نظرية قائمة على تحديد وظائف العناصر المترابطة الداخلة في النص. 5
البنيوية الغربية:
إن أول من أسس منهج البنيوية العالم اللغوي السويسري (فردينان دي سوسير 1913م)، في محاضراته التي ألقاها عن ثنائية اللغة والكلام، وثنائية المحور التاريخي التطوري، والمحور التزامني الوصفي، إضافة إلى ثنائية علمي اللغة: الداخلي و الخارجي. 6
وقد قامت البنيوية على هذه الثنائيات اللغوية المتقابلة، وإن كان سوسير –كما أشرت سابقاً- لم يعبِّر بلفظ (البنية) وإنما (نظام) 7؛ ولكن اختلاف اللفظ لا يُشكِل مادام يقصد المعنى نفسه للبنية. وقد استفاد سوسير من مبادئ المذهب التجريبي الذي تبنته الدراسات اللغوية. 8
وبعد حقبة من الزمن تنقلنا من سويسرا إلى روسيا حيث الشكلانيين الروس؛ الذين وضعوا أسساً منهجية مستقلة عما يريده النظام الشيوعي من تركيز على المضمون. وذهبوا إلى أن قيمة الوسيلة الأدبية تعتمد في الأساس على علاقتها مع الوسائل الأدبية الأخرى. 9
ومن المؤسسين لهذه المدرسة (رومان جاكبسون)؛ الذي التحق بعد ذلك بمدرسة (براغ)، وقد عمد إلى رسم بياني كامل بيّن فيه عوامل التواصل الكلامي بتوزيع المرسل والمرسل إليه، الذين يعدهما من أهم عناصر التواصل الستة في الوظائف اللغوية.10 وقد كان السبّاق بلفظة (البنيوية) كمنهج نقدي.11
وبعد براغ والشكلانيين أثبتت مدرسة (النقد الجديد) في أمريكا وإنجلترا ضرورة عزل النص عمّا يؤثر فيه، وعدُّوا الأعمال الأدبية أشياء مجردة بعيدة عن العوامل الخارجية!!! 12
أما ليفي شتراوس العالم الأنثروبولوجي فقد جعل النموذج اللغوي مقوِّماً في دراسة الكليّات، وهذا الاعتماد يسّر تمازج العلوم الإنسانية؛ الذي تجسّد بلقاء هذا العالم بـ (جاكبسون) ليتعاونا في تحليل نص لبودلير (القطط)، يصبح وقتها الميلاد الفعلي للمنهج البنيوي في النقد الأدبي.13
بعد ذلك كان اهتمام علماء النفس بالشعور واللا شعور على أساس أنهما بنى لغوية، فنجد (جاك لاكان) يؤسس علم النفس البنيوي القائم على أن البنية الشاملة للغة هي بنية لا شعورية، وأن لا وجود لأية علاقة مباشرة بين النفس و التجربة.14
وكذلك الفرنسي (جان بياجيه)، الذي جعل للبنية ثلاث خصائص لا بد أن تتسم بها: هي الكلية؛ فتتكون البنية من عناصر داخلية خاضعة لقوانين النسق. والتحول؛ وهو سلسلة من التغيرات الباطنة تحدث داخل النسق. والتنظيم الذاتي؛ فتنظم البنية نفسها لتحفظ لها وحدتها، وتساهم في طول بقائها.15
وكان للناقد الفرنسي (رولان بارت) إسهامات في البنيوية، ولكنه في آخر عمره انتقدها، ونأى عنها إلى التفكيكية.16
البنيوية العربية التراثية:
لم يكن النقد العربي القديم بأدواته يستطيع تحليل النص الأدبي كما يقوم به أصحاب البنيوية الآن؛ إلا أن هناك بعض البدايات والنظرات التي تشابه إلى حدٍ ما ما يقوم به البنيويون اليوم.
فحينما يكشف هؤلاء عن العلاقات المتشابكة في النص فأولئك بدورهم كانوا يبحثون عنها أيضا وإن لم تكن نفس العلاقات. فعبد القاهر الجرجاني في دلائل الإعجاز تحدّث عن العلاقات النحوية في النص، وتأثيرها في التعبير الأدبي. إضافة إلى أن نظريته الشهيرة (النظم) كانت تشبه إلى حدٍ كبير ما يعرف بالتوليد في النص، و أن ليس للمفردة المجردة مزية حتى تدخل في سياق معين، وهذا ما عرفناه لدى البنيويين؛ الذين يعتمدون في أسسهم على أن العلاقات بين العناصر في النص هي المحور، ولا يعتدّ بالعنصر الواحد بذاته. 17
¥