[الشعر الحر (شعر التفعيلة) الجزء الثاني.]
ـ[د. مسعد محمد زياد]ــــــــ[02 - 05 - 2006, 01:38 م]ـ
الشعر الحر (الجزء الثاني)
أما الشروط التي فرضتها لتطبيقها على تلك الأوليات هي: (بتصرف)
1 ـ أن يكون ناظم القصيدة واعيا إلى أنه قد استحدث بقصيدته أسلوبا وزنيا جديدا.
2 ـ أن يقدم الشاعر قصيدته تلك أو قصائده مصحوبة بدعوة إلى الشعراء يدعوهم فيها إلى استعمال هذا اللون في جرأة وثقة.
3 ـ أن تستثير دعوته صدى بعيدا لدى النقاد والقراء.
4 ـ أن يستجيب الشعراء للدعوة، ويبدؤوا فورا باستعمال اللون الجديد.
وبتلك الشروط الآنفة تنفي نازك البدايات الأولى للشعر الحر سواء أكانت
في العراق سنة 1921 م أو في مصر سنة 1932 م، لأنها لم تنطبق
على تلك الأعمال الشعرية، والتي تعتبر الإرهاصات الأولى للشعر الحر.
كما أن نازك بهذه الشروط كأنها نصبت نفسها حاميا ومقننا للشعر الحر،
فما تجاوز منه هذه الشروط التي لا تمت لفنيات القصيدة بصلة لا يعد منه.
وإذا كانت هذه الشروط التي وضعتها نازك باختيارها الشخصي
لم تنطبق على الأعمال التي أشارت إليها بنفسها ن هل يعني هذا أن نسلم
أن بدايات الشعر الحر لك يكن لها وجود قبل عام 1947 م، وهو التاريخ
الذي حددت فيه نازك البداية الفعلية لهذا اللون من الشعر؟
إن الإجابة على هذا السؤال ـ في رأيي ـ تحتاج إلى وقفة متأنية، لأن
نازك عندما قررت تلك البداية لم تطلع على الأعمال الشعرية الأخرى لشعراء آخرين غير التي اطلعت عليها في الشعر الحر قبل عام 1947 م، ولها
في ذلك عذر، لأنه حينئذ ليس من اليسير على الإنسان أن يكون على علم
كامل بكل ما أنتجه الشعراء، أو الأدباء في حقبة زمنية ليست بالقصيرة، وعلى اتساع أقطار العالم العربي، في فترة كانت وسائل الإعلام والنشر
أعجز مما أن تؤدي مهمتها بنجاح، وإن كان الأمر يتطلب بعدم الجزم
في مثل هذه الأحوال ـ بأن الساحة الأدبية خلو تماما من أمثال هذه الأعمال الأدبية، وهذا ما وقعت فيه نازك عندما ظنت أنه لم يسبقها إلى هذا العمل
أحد من الشعراء، فأصدرت حكمها وأطلقته، وقررت أن البدايات الفعلية
للشعر الحر كانت في العراق ن ومن بغداد بالذات عام 1947 م.
وبعد هذا العرض المفصل لنشأة الشعر الحر، إن ما نريد الوصول إليه
أن السيدة نازك الملائكة قد حكمت وأطلقت الحكم وعممته دون ترو منها،
لأن هناك بدايات غير التي أشارت إليها أيضا، وإن كانت هذه البدايات لم
تحفل باهتمامها، أو لم تنطبق عليها شروطها، فإن هذه البدايات ربما تكون
ذا شأن في تحديد نشأة الشعر الحر تحديدا فعليا، ويحسم الموقف، على الرغم بأننا لا نريد أن نجزم بأنها قد تكون البداية الأولى أيضا فنطلق الحكم ونعممه، ونقع فيما وقعت فيه نازك، لن التاريخ ربما يثبت غير ذلك فيما بعد. أما هذه البدايات فسوف نتحدث عنها في موضعها إن شاء الله، وقد ألمحنا لهذا سابقا.
دوافعه ومميزاته:
لقد أكدت الأبحاث الأدبية والنقدية التي دارت حول مفهوم الشعر وجوهره أن هذا اللون من الشعر لم ينشأ من فراغ، وتلك قاعدة ثابتة في كل الأشياء التي ينطبق عليها قانون الوجود والعدم تقريبا. فما من عملية خلق أو إيجاد إلا ولها مكونات ودوافع تمهد لوجودها وتبشر بولادتها كما أنه لا بد من وجود المناخ الملائم والبيئة الصحية التي ينمو فيها هذا الكائن أو تلك.
وكذلك الشعر فهو كالكائن الحي ـ إن لم يكن كائناً حياً كغيره من الكائنات الأخرى كما يذكر مؤرخو الأدب والنقاد ـ الكائن الذي يولد صغيراً ثم يشتد ويقوى على عنفوان الصبا والشباب وأخيراً لا يلبث أن يشيخ ويهرم بمرور الزمن وتقادم العهد وإن كان في النهاية لا يموت كغيره من الكائنات الحية وإنما يبقى خالداً ما بقى الدهر إلا ما كان منه لا يستحق البقاء فيتآكل كما تتآكل الأشياء ويبلى ثم ينقرض دون أن يترك أثراً أو يخلف بصمة تدل عليه.
ومن هذا المنظور كان الشعر الحر ـ ولا أريد أن أقول الشعر الحديث
أو الجديد لأن الحداثة والجدة شيء نسبي لا تتغير بتغير الزمن وتتقادم بقدمه
¥