تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[أولئك آبائي .. ! قراءة في منجزنا النقدي .. (الحلقة الثانية)]

ـ[ابن الشمس]ــــــــ[05 - 01 - 2005, 09:23 م]ـ

كتاب منهاج البلغاء وسراج الأدباء، لحازم القرطاجني (ت: 684 هـ) حققه محمد الحبيب ابن الخوجة، ونال به درجة الدكتوراه من جامعة السربون في فرنسا، وقد صدر الكتاب في طبعته الأولى في تونس، وصدر في طبعة ثانية عن دار الغرب الإسلامي ببيروت، والأخيرة هي التي اعتمدت عليها في هذا العرض.

يُصنف كتاب منهاج البلغاء عند كثير من الدارسين ضمن منظومة علوم البلاغة، ولكنه في الحقيقة لم يتناول المسائل البلاغية في تفصيلاتها الجزئية كما هي عند أرباب البلاغة المعروفين، وإنما تناول الكليات بحيث يمكن أن نصف المنهاج أنه كتاب يندرج ضمن اجتهاد فلسفي أو (ما ورائي)، فكأنه يعالج ما وراء علوم البلاغة، وإن كان يشترك مع المنجزات الأخرى في ميدان العمل، فحازم يقول عن منهجه: (قصدنا أن نتخطى ظواهر هذه الصناعة، وما فرغ الناس منه، إلى ما وراء ذلك مما لم يفرغوا منه) ومن هنا سأتجاوز في هذا العرض السريع القضايا أو المسائل البلاغية في المنهاج؛ لأنها خارجة عن طبيعة مادة الدرس، وأتوقف عند بعض القضايا التي تندرج في منظومة النقد.

ربما تكون فكرة التخييل والمحاكاة من أبرز القضايا النقدية التي أضافها حازم القرطاجني للنقد الأدبي العربي؛ فقد تناولها بقدر كبير من الإفاضة والتوسع، ومن الواضح أنه استلهم هذه الفكرة من النقد اليوناني الذي تأثر به النقد العربي منذ القرن الرابع الهجري، من خلال ترجمة فن الشعر لأرسطو وشروحه التي قدمها بعض الفلاسفة كابن سينا والفارابي وابن رشد، وقد لاحظ حازم أن أرسطو قصر فن المحاكاة على الشعر اليوناني حيث يقول: (ولو وجد هذا الحكيم (أرسطو) في شعر اليونانيين ما يوجد في شعر العرب من كثرة الحكم والأمثال والاستدلالات واختلاف ضروب المعاني ... لزاد على ما صنع من الأقاويل الشعرية).

وقد جعل حازم فكرة التخييل والمحاكاة ركيزة أساسية في تحديده مفهوم الشعر؛ فهو وإن اتفق مع من سبقه من النقاد، كقدامة بن جعفر في أن الشعر هو الكلام الموزون المقفى حيث يقول: (الشعر كلام موزون مقفى من شأنه أن يحبب إلى النفس ما قصد تحبيبه إليها، ويكره إليها ما قصد تكريهه .... مما يتضمن حسن تخييل ومحاكاة ... ) إلا أنه لم يكتف بالحد البسيط في تعريفه للشعر، بل كان أكثر نضجًا حين وقف عند قضيتين في غاية الأهمية:

الأولى: أثر الشعر في المتلقي، وقد جعل نجاح مهمته في قدرته على إحداث الانفعالات عن طريق التخييل والمحاكاة، ويحدد حازم مراده من التخييل بقوله ( ... والتخييل أن تتمثل للسامع من لفظ الشاعر المخيل أو معانية أو أسلوبه ونظامه، وتقوم في خياله صورة أو صور ينفعل لتخيلها وتصورها أو تصور شيء آخر بها، انفعالاً من غير روية إلى جهة من الانبساط أو الانقباض).

ونفهم من هذا بأن التخييل هو: تلك الصور التي تتمثل في خيال المتلقي بتأثير الألفاظ والمعاني والأسلوب والنظم، وهي صور تحدث انفعالاً نفسانيًا لدى المتلقي يكون به الإقبال على النص أو الإدبار عنه.

ومفهوم التخييل عند حازم لا يفارق المحاكاة، وقد توسع في هذه الفكرة توسعًا أبعده عن طبيعة الشعر وأدخله في ساحة المنطق وأقيسته، فراح يقسم التخييل تارة بحسب متعلقاته ومصادره، وتارة أخرى بحسب مقوياته وصوره في نفس المتلقى، وكذلك صنع في مفهوم المحاكاة فهي عنده تشمل صور التعبيرجميعها، ولها الحظ الأوفر في إحداث التخييل في نفس المتلقي، وهي من حيث الغاية:

ا- محاكاة تحسين.

2 - محاكاة تقبيح.

3 - محاكاة مطابقة.

وهو في هذا التقسيم متأثر بقول ابن سينا في أقسام التشبيه، وفيه أيضًا تأثر بقول أرسطو (أن الرسام أو الشاعر قد ينقل الشيء:

ا- كما هو.

2 - أو أدق مما هو.

3 - أو كما يجب.

ثم تنقسم المحاكاة عنده من حيث جهة التخييل إلى:

ا- قسم يُخيل لك الشيء كما هو في نفسه (صورة الشيء كما تراه مباشرة).

2 - قسم يُخيل لك الشيء كما هو في غيره (صورة الشيء كما تراه في المرآة، أو ينقل لك وصفه).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير