[سمات التعبير الرمزي في الأدب الملتزم .. (حلقات متتابعة)]
ـ[وضحاء .. ]ــــــــ[30 - 11 - 2005, 01:15 م]ـ
تعريف الرمز:
في اللغة: الإشارة والإيماء. (1)
أما في الاصطلاح فهو " كل إشارة أو علامة محسوسة، تذكِّر بشيء غير حاضر" (2). فيُفهم من ذلك أن الرمز عبارة عن إشارة تومئ من طرف خفي إلى أمور لا يريد أن يذكرها الأديب صراحة؛ لغرض في نفسه، أو أن لغته لا تقوى على أدائها.
الرمز في النصوص المقدّسة:
1 - القرآن الكريم:
دائماً ما ينهل الأديب المسلم من القرآن الكريم دروساً، ونماذج يستفيد منها في كتابته الإبداعية؛ وذلك أمر طبيعي، لما نعلمه يقيناً بأن القرآن الكريم أساس البلاغة، ولا يزال العرب يكتشفون أسراره وفصاحته.
فقد رمز القرآن في مواضع مختلفة لأمور لم يصرِّح بها، وسأذكر هنا بشكل سريع بعضاً منها، إذ ليس هنا موضع التفصيل:
1. قوله تعالى: (وَلَكُمْ في القِصَاصِ حَيَاةٌ). (سورة البقرة: 179)
2. قوله تعالى: (خُذِ العَفْو وَأْمُرْ بالعُرْفِ وأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِيْن). (سورة الأعراف: 199)
2 - السنة النبوية:
وكما يستقي الأديب المسلم من القرآن، فإنه يستفيد من أحاديث رسول الله محمد:=، الذي يقول عن نفسه: (أُوْتِيْتُ جَوَامِعَ الكَلِم)، فقد أتى حديثه عربياً رصيناً، وهو النبي الأميّ، نجده في أحاديثه يرمز في جملة لأمور عدة، ومما قاله:=:
1. قال: (لا تَسْتَضِيْئُوا بِنَارِ المُشْرِكِين).
2. وقوله: (إِيّاكُمْ وَخَضْرَاءُ الدِمَنْ).
[ line]
(1) انظر: القاموس المحيط للفيروز آبادي، مؤسسة الرسالة-بيروت ط5 1416هـ:659. والمنجد في اللغة لمجموعة من المؤلفين، دار المشرق-بيروت ط37 1998م:279.
(2) المعجم الأدبي، جبّور عبد النور/ دار العلم للملايين-بيروت ط2 1984م:125.
ـ[وضحاء .. ]ــــــــ[30 - 11 - 2005, 05:50 م]ـ
أنواع الرمز:
تتباين الرموز، وتختلف كتباين استخدام الأدباء لها، وبحسب حاجتهم، ومن هذه الأنواع:
1. رمز تأريخي (توظيف التراث):
ومما يدخل في هذا النوع، استدعاء الشخصيات التراثية الإسلامية؛ فالشخصية التراثية في النسيج الشعري ليست تأريخاً يروى، وليست سيرة يحكيها الشاعر، وإنما استدعاؤها يكون في إطار شعري غير محدد بأسوار التأريخ. وقد يقتصر هذا الاستدعاء على رصد بُعدٍ واحد من أبعاد الشخصية، مثل البعد السياسي أو الاجتماعي، وقد يتجاوز هذا البعد إلى الرؤية الشمولية للشخصية كلها، وقد يخاطب الشاعر الشخصية من الخارج ولا يتوغّل في أعماقها، وهذا النوع مليء به.
والأمثلة في ذلك كثيرة، منها:
*توظيف شخصية الصحابي الجليل، القائد الفاتح سعد بن معاذ رضي الله عنه في قصيدة من أوراق سعد بن معاذ للشاعر (د. حسين علي محمد)، يستدعي الشاعر فيها سعداً طالباً منه النصرة، مستثيراً إياه بما يفعله يهود هذا العصر، مستحضراً ما قام به سعد بأمرٍ من رسول الله:= بعدما خانوا العهد؛ ويؤكد أنهم لا زالوا يخونونه: (1)
يأتي إليك الفجرُ
يا سعْدُ امْتطِ الأَهْوالَ مركبةً إلى وزْن القصيدْ
رُدَّ اللغاتَ إلى صِبَاها
إلى أن يقول:
قدْ جاءَتِ الغِربانُ غِازيةً
وقبلكَ صرخةٌ للتلِّ والصحراءِ قامتُكَ السماءْ
هذي يمامتكَ التي رُوّعت برؤى الدماءْ
تمضي إلى الفردوسِ شامخةً مغرّدةً
فكيفَ إذنْ تراها
*ومن توظيف الرمز التأريخي قصيدة السهام للشاعر (عبد الرحمن بارود)؛ فالقصيدة تغصّ برموز ودلالات تأريخية كثيرة، إضافة لرموز أخرى مثيرة للسخرية.
يحكي الشاعر غفلة المسلمين عن دينهم، التي سبّبت لهم المآسي والنكبات المتلاحقة، ويذكر أمماً خلت من (عاد) و (ثمود). وتارةً يذكر اليهود بفصائلهم المتعددة وكأنه يُلمح من طرف خفي إلى أنهم جميعا قد أذلّوا المسلمين؛ إمعاناً في إبراز صورة ما وصلوا إليه من صَغار: (2)
زحفوا يقطرون سمّاً زعافا ** وحفيد الحاخام فيهم أمير
وتلوّت صفراء دهريّة، في ** كل دار بيضٌ لها وجحور
حين تخلو تهذي:"حييٌّ وكعب ** قينقاع .. قريظة .. والنضير
كذلك عندما يتحدث ويصوّر جموع المسلمين بالقطيع (وجميعنا يعلم مع من تأتي هذه اللفظة)!! وإن كنت متفقة مع رأيه:
وقطيع يعدو بثنتين مخزو ** م، وفوق الأعناق نير ونير
يسخر الكون منه: هذا قطيع الـ ** ـعار، هذا الخؤون، هذا الفرور
أيضا نجده يستنجد بشخصيات تأريخية قادت الأمة للنصر في حقبة من الزمن كـ (أبي عبيدة بن الجرّاح) رضي الله عنه.
*كذلك قصيدة (البسوس) للشاعر (د. وليد قصّاب). وظّف فيها قصة حرب البسوس التي قامت في العصر الجاهلي، واستحضرها في العصر الحديث ليدلّل على ما يحدث في الأمة الإسلامية من حروب داخلية، وصراع بين المسلمين، كما حصل في اليمن، وما وقع من غزو من العراق على الكويت: (3)
في كل يوم عندنا حرب البسوس
يتقاتل الإخوان فيها
بالعصيّ، وبالرصاص، وبالفؤوس
فتطيح آلاف الألوف من الرؤوس
إلى أن يقول:
واليوم في اليمن السعيد
عادت بسوس إلى الوجود
زحف الجنوب على الشمال
زحف الشمال على الجنوب
الجاهلية من جديد.
[ line]
(1) ديوان حدائق الصوت، د. حسين علي محمد/ نسخة إلكترونية من الدكتور.
(2) أجمل مائة قصيدة في الشعر الإسلامي المعاصر، أحمد الجدع/ دار الضياء- الأردن ط1 1423هـ:1/ 197.
(3) ديوان أشعار من زمن القهر، د. وليد قصّاب/ دار القلم-دبي ط1 1415هـ:83.
يتبع
¥