[أولئك آبائي .. ! قراءة في منجزنا النقدي .. (الحلقة الثالثة)]
ـ[ابن الشمس]ــــــــ[16 - 02 - 2005, 07:48 م]ـ
الآمدي الناقد ( ... - 370 هـ)
هو " الحسن بن بشر بن يحيى الآمدي، أبو القاسم: عالم بالأدب، راوية من الكتاب، له شعر، أصله من آمد ومولده ووفاته بالبصرة ()، قال عنه ابن النديم: " مليح التصنيف، متعاط مذهب الجاحظ فيما يعمله من الكتب"وقال ياقوت الحموي فيه: كان حسن الفهم، جيد الدراية والرواية، سريع الإدارك - كاتب القضاء من بني عبد الواحد بالبصرة".
له مؤلفات كثيرة بلغت ثلاثة عشر كتابًا، منها ديوان شعر. ويعد كتابه (الموازنة بين أبي تمام والبحتري) من أحفل كتبه وأبرزها في مجال النقد الأدبي في عصره، وهو ما سأقتصر عليه في هذا العرض.
- الهدف من الكتاب ومنهج المؤلف فيه:
كشف الآمدي عن هدفه من تأليف كتابه وهو الموازنة بين الشاعرين أبي تمام والبحتري، لخصومة بين أنصار كل منهما.
وقد اختط الآمدي لكتابه هذا منهجًا اتبعه على النحو التالي:
1 - عرض مذاهب النقاد في الشاعرين والاهتمام بهما سواء أكانت محاسن أم مساوئ.
2 - الموازنة بين فصائد الشاعرين من حيث المضمون والشكل في أبيات مفردة، وقد برع الآمدي في ذلك وأظهر مقدرته النقدية، وذوقه المرهف تجاه النصوص الشعرية للشاعرين، كما أكدت هذه الموازنة استقصاءً وعمقًا في الغوص في معاني الشعراء والارتباط بالقديم، وتكوين رؤى نقدية قائمة على أسس علمية سليمة.
3 - يعمد الآمدي في موازنته بعد عرض المحاسن والمساوئ لكل من الشاعرين، ووضع الحجج والآراء، والموازنة المعللة المفسرة إلى أن يجعل القارئ يحكم بينهما.
ويعد هذا- في نظري- ملمحًا عظيم الشأن لتكوين رؤى سليمة وإصدار أحكام نقدية معللة من قبل القارئ، وذلك لعلم الآمدي باختلاف الأذواق والآراء والاتجاهات لدى الناس.
- ويمكن عرض طريقة التطبيق لدى الآمدي في منهجه فيما يلي:
1 - عرض مذاهب النقاد في الشاعرين وتفضيل أحدهما على الآخر.
2 - سوق احتجاجات الخصمين (أنصار أبي تمام وأنصار البحتري).
3 - ذكر سرقات أبي تمام.
4 - دراسة الأخطاء، سواء أكانت في المعاني أم الألفاظ لدى أبي تمام.
5 - المآخذ الفنية على أبي تمام، وتتركز هذه المآخذ على قبيح الاستعارات، والتجنيس، والطباق، والمقابلة، معززًا رأيه بالشواهد المتنوعة من القرآن والشعر الجاهلي والأموي.
6 - المآخذ الأسلوبية، ويركز الآمدي على سوء النسج وتعقيد النظم، ورديء الألفاظ، وحوشي الكلم، ويرجع ذلك إلى طلب أبي تمام للبديع.
7 - المآخذ العروضية، كالزحافات و العلل واضطراب الوزن لدى أبي تمام.
8 - سرقات البحتري، وقد سار على ذات المنهج الذي عمله مع أبي تمام.
9 - أخطاء البحتري في المعنى والعروض، ويظهر- هنا- أن الآمدي كان متعاطفًا إلى حد ما مع البحترى.
10 - فضل الشاعرين، حيث عرض الآمدي ما لأبي تمام والبحتري من فضل ونعتهما وأثنى عليهما.
11 - الموازنة التفصيلية: بعد أن عرض الآمدي ما لكل شاعر وما عليه بدأ بالموازنة التفصيلية بين معنى ومعنى لكل من الشاعرين مثل: الابتداءات، وحسن التخلص، ومعاني المديح.
- سرقات المعاني:
يرى الآمدي أن سرقات المعاني ليست من كبير المساوئ لدى الشعراء، وخاصة المتأخرين، و لا سيما المعاني المشتركة، كما أنه يعلي من شأن السرقة الممدوحة، والأخذ الحسن وإن سبقه بذلك ابن طباطبا، على أن الآمدي يقرر أن تقارب بيئة الشاعرين يجعلهما متفقين في كثير من المعاني، كما أنه يرجع بعض السرقات إلى كثرة محفوظ الشاعر، باعتبار أن معاني ما يحفظه من الشعر تستقر في نفسه، وتتسرب إلى شعره.
- صفات الناقد لدى الآمدي:
وضع الآمدي أمام الناقد خطوات يسير عليها ليكون حكمه على النصوص الأدبية صائبًا موافقًا لما كان عليه الأقدمون، وهي:
1 - رواية الشعر والمداومة على قراءته، وخاصة القديم منه.
2 - كثرة الاطلاع على آراء النقاد وعلماء الشعر، والنظر فيما أجمع عليه الأئمة من تفضيل بعض الشعراء على بعض، وبعض القصائد على غيرها، وأسباب ذلك وتفسيره، وإطالة النظر فيه.
3 - التدرب على نقد الشعر ومقارنة ذلك بآراء الأئمة في النقد؛ لبيان جوانب القصور والخطأ.
4 - أن يكون حكمه موضوعيًا قائمًا على أسس علمية سليمة، دون تحيز لطرف على آخر، أو تجن على شاعر دون النظر في شعره وبيان جيده ورديئه.
¥