تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[كيف نشأ الشعر؟!!!]

ـ[شاكر الغزي]ــــــــ[27 - 08 - 2006, 07:55 م]ـ

كيف نشأ الشعر؟

هنالك عدة آراء ونظريات في كيفية نشوء الشعر العربي، وإجمالاً يمكن القول أن الشعر العربي نشأ من إحدى ثلاث أمور هي:

1 - حداء الإبل.

2 - سجع الكهان.

3 - العمل الجماعي.

فبعض الباحثين يرى أن البيئة العربية بوصفها بيئة صحراوية قاحلة، والعيش فيها يحتاج إلى المشقة والعناء والكدح المستمر، فمثلاً، الأرض المجدبة تحتاج إلى جهد كبير لتصبح خصبة وصالحة للزراعة،وللحصول على الماء فلا بد من حفر بئر جديد أو متح بئر قديم، ورعية الأنعام تحتاج إلى تعب وجهد مضنيين، وإن أجدب العشب والكلأ في مكان ٍ فلا بد من الترحال إلى مكان آخر، فكل هذه الأمور وما شاكلها تحتاج الى العمل الجماعي وكان الغناء الوسيلة المثلى للترويح عن النفس ورفع درجة الحماس للعمل، لذلك ظهرت بعض الأناشيد التي تحث على العمل أو تذكر بعض الأمور المحببة كالتغزل بالنساء لينسى المرء متاعبه ويجد في عمله، وهذه العادة باقية إلى يومنا هذا وخاصة في المناطق الريفية.

ومن جانب آخر فإن سوق الإبل يحتاج إلى الحُداء لأن صوت الحادي يستعجل الإبل للمسير، كما قال الشريف الرضي:

وأعجلها الصريخ إلى المعالي ... كما يستعجلُ الإبلَ الحداءُ

وقال أبو تمام:

وخذهم بالرقى إنّ المهارى ... يهيّجها على السير الحداءُ

ذلك لأن الإبل تطرب الى الحداء فتتبع صوت الحادي، قال مهيار الديلمي:

إذا أطرب الإبل الحداء فإنني ... إليكم متى غنيت فالجود مطربي

ونقل الأبشيهي عن النبي (ص) حديثاً قال فيه: ان أباكم مضر خرج في طلب مال له فوجد غلاماً تفرقت إبله فضربه على يده بالعصا فعدا الغلام في الوادي وهو يصيح: وايداه، فسمعت الإبل صوته،فعطفت عليه، فقال مضر: لو اشتقّ من الكلام مثل هذا لكان كلاماً تجتمع عليه الإبل، فاشتقّ الحداء (1).

وغير الأعمال المجهدة والحداء فأن هناك بعض الأمور التي تعلق في أذهان الناس وتنمو معهم وتكبر كيفما يكبرون حتى تصبح جزءاً منهم، هذا المفهوم قد ساهم في نشوء الشعر إذ إحتاج الإنسان إلى وسيلة وأسلوب لهما تأثيرهما الخاص في طبع الأفكار في قلب وعقل المتلقي والسامع، فأختار الفقرات المنغّمة ذات الإيقاع المتشابه التي يسهل حفظها ويسري مفعولها في نفس الآخرين، ولذلك شاع سجع الكهان وهو كلام له قواف ٍ كقوافي الشعر إلا إنه غير موزون، وعن ابن جني أنه سمي سجعاً لإشتباه أواخره وتناسب فواصله، والكاهن هو الذي يتكهن بالغيب أي يدعي معرفة ما سيحصل في المستقبل وكان الكهان يروّجون أقاويلهم بأسجاع تروق السامعين وتستميل قلوبهم وتستصغي أسماعهم.

وخلاصة القول أنه يمكن الإفتراض بأن الإنسان ومن خلال الحوار والتكلم فطن إلى أن بعض الكلمات والجمل يمكن أن تكون منغّمة وذات إيقاع موسيقي أذا ما قطّعت تقطيعاً معيناً أو تشابهت في اللفظ وفي مخارج الحروف وترافق مع ذلك معرفة بأثر الإيقاع والأنغام والغناء في النفس البشرية، فأخذ يحوّر لغته البسيطة إلى كلمات مقطّعة متناسقة منغّمة يمكن أن تصلح للغناء ومدّ الصوت، وكذلك أخذ يصنع بعض الأخيلة والصور البسيطة لما لها من أثر في نقل الأخبار و الأحاديث وتجسيد ما يريد أن يقوله ليظهر الكلام بغير مظهره المعروف، لذلك كان الخيال أهم ما يحتاج إليه الشاعر، ولذا قيل: إن الخيال مطية الشعراء ِ، وبعد ذلك أخذ يزجّ بعاطفته الجياشة وينثر أحاسيسه هاهنا و هاهناك، ولعل (العاطفة والخيال) هما بوابة الشعر التي يدخل منها إلى مدنه الذهبية.

إن التنغيمات والأسجاع التي تم التفطن إليها في الكلام وصلاحها للغناء والحداء، جعلها تأخذ شكلاً خاصاً أشبه ما يكون بالوزن الواحد المعروف لنا حالياً حتى أخذ البعض من الشعراء ينظمون على غرار من سبقوهم،فقد روي عن ثعلب أن العرب كانت تعلم أولادها قول الشعر بوضع ٍعلى وزن (قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ِ)، حتى أصبح هذا الشكل مستقلاً عن غيره وهم يعرفونه من اللحن والنغم ويميزونه عن غيره من التغني به،فإذا أرادوا تمييز بيتين عن بعضهما تغنوا بكليهما فإن توافقا فهما من وزن واحد وإلا فهما مختلفان من دون أن يعرفوا الأوزان ويسمونها، فالغناء عندهم مضمار معرفة الشعر، قال حسان:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير