ـ[عنقود الزواهر]ــــــــ[05 - 06 - 2006, 09:42 ص]ـ
بارك الله فيك أخي داود، فمنكم نستفيد.
ولي تلميحة هنا وهي عن سبب العداء لمصطلح الأدب الإسلامي، فأعداؤه يحاربونه؛ لأنه قد يفقد ذلك الفن الأثر الجمالي الذي تنشده الإنسانية من حيث إنسانيتها، كما يقولون، ويمكن إجمال سبب العداء للأدب الإسلامي في هذين النقلين:
الأول: قول الكاتب والأكاديمي الدكتور ياسر العدل: " لابد أن نعرف الإسلام نفسه علي أنه وحي يؤمن به الناس من أجل تنظيم حياتهم من ثلاثة مستويات:
- مستوي شخصي مع ربه وهو مستوي ايماني.
- والشخصي مع الآخرين وهو مستوي تشريعي.
- والمستوي الثالث مستوي الشخص مع نفسه وهذا ما يمكن تسميته بمنطقة الوجدان.
الأدب أيضا أتي من منطقة الوجدان ويصبح أدباً حين يتجاوز الانسان مشاكل واقعه باستشراف واقع أفضل. إذن الدين يلتقي مع الأدب في منطقة الوجدان، وهي منطقة يمارسها إنسان حي له وجود حقيقي، هذا الوجود الحقيقي تحكمه ظروف قابلة للجدل التي لا أستطيع أن أدخل فيها ما يسمي المطلق، وبالتالي فهي تعود الي منطقة النسبي وطالما أنه نسبي فانه يخضع لقوانين حياتية عصرية ليس بمعني التحضر ولكن بمعني وجود الحضارة نفسها.
بهذا الشكل في العلاقة يبين منطقة التماس بين الدين والأدب لا يمكننا ان نطلق مصطلح اسمه الأدب الاسلامي لأن الأدب جزئي ولا يمكنه أن يخضع الكل، كما أن الكل لا يستطيع أن يستوعب حيثيات الجزئي والا سيطر علي هذا الجزئي وحوله الي صيغة مدرسية.
وفي الأدب القديم نجد شيلوك تاجر البندقية مثلا وهو عمل درامي رائع لكن النظر له من منظور ديني سوف يفقده الكثير من عبقريته.
فالبطل رجل مرابٍ يجب أن يتعرض للعقوبة، ونحن هنا أمام أمرين، إما أن نعتبر شخصية شيلوك شخصية مدرسية نطبق عليها قوانين الشريعة وبما أن قوانين الشريعة موجودة فلا حاجة علي الإطلاق لاختراع شخصية شيلوك، أما اذا اعتبرنا وجود شخصية شيلوك عملا ابداعيا وله دور درامي وجمالي فسندخل في منطقة أخري هي جمالية النص أو قبحه، ويشترك في تلقي الجمال هنا كل البشر، باختلاف الأجناس والأديان، لذلك تصبح شخصية شيلوك شخصية انسانية تتجاوز خصوص الدين.
وفي منتصف القرن الماضي ظهرت مصطلحات كبيرة مثل الأدب الماركسي، الأدب البرجوازي، تصنيفات تخرجها حضارة تتطور، فنحن أتينا الأرض في حالة ردة لنستخدم نفس المصطلح أدب اسلامي، ولكي تكو ن المسألة أكثر وضوحا دعنا نتحدث عن بداية العلم، حيث كانت الفلسفة في المبتدأ تضم كل أنواع العلوم، وحين تطور الانسان تمحورت بعض الأبواب علي صفات وأدوات تعامل خاصة بها فظهر علم الاجتماع والكيمياء والفيزياء وغيرها. هذا التطور نحو الفصل بين العلوم ظهر في نشاط إنساني متباين مثل الأدب، وبالتالي أصبح للأدب معاييره الذاتية التي تصلح للحكم علي الانتاج الأدبي بعيدا عن التفكير الذي يطرحه الدين كمفهوم عام ومن هنا يصبح الفصل بين الأدب والدين فصلا حضاريا وإلا إذا اعتبرنا أننا في بداية التحضر كانت الأديان مازالت غضة وتحتاج الي ما نسميه أجهزة الإعلام فيصبح من وسائل نشر الدعوة الدينية ما يمكن أن نسميه الإعلام الأدبي علما بأنه في بداية عصور الإسلام رفض النبي أن يطلق علي نفسه شاعراً وما كان شاعرا وما ينبغي له وهذا يعني ببساطة أن للدين منطقه وللأدب منطقه.
قد تختلط علي الناس فكرة الأخلاق والأخلاق في العمل الأدبي، وهذه قضية بعيدة تماماً عن الدين ندخل فيها علوماً فلسفية أخري مثل علم الجمال وعلم الأخلاق وهي علوم قابلة للتطور الإنساني، أي تخضع الفروض وتضع احتمالات تثبيت أو رفض هذه الفروض.
ولو أردنا أن نكتب التاريخ الإسلامي فلا بد أن تنطبق عليه معايير علم التاريخ لكن لو نظرنا الي قصة واإسلاماه فاننا نجد أنها استخدمت موضوعا في التاريخ الإسلامي وليس موضوعا في الدين الإسلامي، ومن هنا يجوز للكاتب أن يضع شخصيات وينشئ بينها علاقات بالمفهوم الأدبي، وهنا يتم الحكم على واإسلاماه كقصة أدبية صالحة أو غير صالحة تستخدم موضوعا إسلاميا كقصة أخري تستخدم موضوعا إنسانيا آخر وهكذا.
إن الدين له شمول معرفي ووجداني في حدود الشريعة أما تناول الوقع اليومي فـ أنتم أعلم بشؤون دنياكم حتي نترك الفرصة للمتخصصين أن يدلوا بدلوهم ويكون لدي الآخرين القدرة علي الفصل بين الدعاية أو التجريس والأدب.
والثاني قول أحمد فؤاد نجم: " لم يكن الأدب في يوم من الأيام عبدا للمعتقدات، ثم ما هي المعتقدات؟ جميعا في رأيي مع الانسان ومع العدالة ومع الحق وكل أدب حقيقي ليس ضد هذه القيم، وأنا عندما عبرت في قصائدي عن أزمة مجتمعي المصري والعربي مجدت هذه القيم، رغم أنني لا أؤمن بهذا المصطلح ولم يتم تصنيفي يوما في معسكر الإسلاميين، وعندما كتبت قصيدة عن خالد الإسلامبولي قاتل السادات كان شعوري أنني أمجد القيمة الإنسانية التي ترفض الظلم والاضطهاد وتدعو للحرية وتستشهد من أجلها، وحكاية ربط الأدب بالدين مثل ربطه بالسياسة لأن كليهما وجه واحد لعملة واحدة، وفي كل الحالات فان الأدب هو الخاسر، ومعركة الوليمة لم ولن تكون آخر المعارك ضد القهر والجهل في آن واحد".
قال عنقود: هل رأيتم أصرح من هذه العلمانية المقيتة، في قولهما؟
¥