تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولكي يستكمل الشاعر غرضه فقد ضمن أبياته عدة مقابلات مثل: التضاحك والتباكي، الحزن والطرب، كي يدلل على أن من فقدهم كانوا كل شيء في حياته، وهذا الأسلوب- اللعب على المتناقضات- من الأساليب التي تترك أثرا في نفس السامع وتجعله يعمل تفكيره في مضمون الرسالة التي أراد الشاعر توجيهها، وشيء آخر هو أن الشاعر رغم تكرار الأسئلة وإلحاحها إلا أنه يشعر المتلقي أنها أسئلة تأتي في سياقها الطبيعي دونما تكلف، فهو يعبر من خلالها عن حركة أطفاله، والطفل- كما هو معروف- لا يوجد اتساق لحركته، فهو يتحرك كيفما اتفق، ومن هنا جاءت أسئلة الشاعر بما ضمنها من صور شعرية متناغمة مع تلك الحركة ومعبرة عنها، وأبلغ دليل على ذلك عبارة (الضجيج العذب) التي استهل الشاعر قصيدته بالسؤال عنه، فهو قد رسم صورة مغايرة للضجيج المعروف عنه أنه مزعج، ولكنه في عالم الشاعر يتصف بالعذوبة، وهي صورة حقيقية، تجسد إحساس كل أب يجد في حركة أطفاله متعة ما بعدها متعة.

بعد ذلك انتقل الشاعر لمرحلة أخرى بعد أن نجح باستفزاز المتلقي وإثارة شجونه وحبس أنفاسه، وهي مرحلة الولوج إلى عالم الشاعر التي كانت أمرا لا بد منه كي يعيش المتلقي مع الشاعر محنته:

يتزاحمون على مجالستي والقرب مني حيثما انقلبوا

يتوجهون بسوق فطرتهم نحوي, إذا رغبوا, وإن رهبوا

فنشيدهم (بابا) إذا فرحوا ووعيدهم (بابا) إذا غضبوا

وهتافهم (بابا) إذا ابتعدوا ونجيبهم (بابا) إذا اقتربوا

بالأمس كانوا ملء منزلنا واليوم .. ويح اليوم .. قد ذهبوا

وكأنما الصمت الذي هبطت أثقاله في الدار إذ غربوا ..

إغفاءه المحموم, هدأتها فيها يشع الهم والتعب

وفي هذه المرحلة كما نرى كرر الشاعر كلمة (بابا) أربع مرات، وهو تكرار خدم الهدف الذي أراده، إذ إنه أشعرنا بمدى المصيبة التي حلت به، وأثار فينا مشاعر الأبوة والحنو، وهي المشاعر التي تسيطر على الشاعر لدرجة أن الحنين إلى سماع تلك الكلمة التي ألفها من أطفاله (بابا) جعله يكررها وكأن صداها مازال يرن في أذنه، بدليل أنه مازال غير مصدق أنهم رحلوا عنه وأن كل ما في الأمر أنه أصيب بحمى أفقدته وعيه وسوف يعود بعد الاستفاقة منها لضمهم إلى صدره.

وبما أن الموضوع يتصل بقضية إنسانية وجدانية، فقد نقل الشاعر (بكاميراه) المكلومة صورا تعبر عن حركة الأطفال أيما تعبير مثل: الهتاف والتزاحم والنشيد وهي صور تلتصق بالطفولة أيما التصاق، كيف لا وهي سمة أصيلة من سماتها، وذلك يجعل من إحساسنا بفجيعة الشاعر أكثر عمقا وأبلغ أثرا. [/ SIZE][/FONT][/SIZE]

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير