وأكثر استيعاباً لمضامينه الحية، بالإضافة إلى ما يتميز به من مرونة في موسيقاه حيث تتلون بتلون الانفعال، وتنمو بنمو الموقف وديمقراطية اللغة
حيث تقترب هذه اللغة من الإنسان العادي في الشارع والمصنع والحقل،
وكذلك ربما يرمز إليه من تعدد في التشكيل وترادف في التركيب وموضوعية في الرصد وشمولية في التمثيل والهروب من الذات ".
وقد أشار إلى بعض الميزات السابقة أحد الباحثين أيضاً قال: "
وقد تميزت قصيدة الشعر الحر بخصائص أسلوبية متعددة فقد اعتمدت على الوحدة العضوية، فلم يعد البيت هو الوحدة وإنما صارت القصيدة تشكل كلاماً متماسكاً، وتزاوج الشكل والمضمون، فالبحر والقافية والتفعيلة والصياغة وضعت كلها في خدمة الموضوع وصار الشاعر يعتمد على " التفعيلة "
وعلى الموسيقى الداخلية المناسبة بين الألفاظ ".
وخلاصة القول إن انطلاقة القصيدة العربية وتحررها من عقالها جعلها أكثر مرونة وحيوية وتجاوباً مع نوعية الموضوع الذي تكتب فيه، ومنحت الشاعر الفرصة في التعبير عن مشاعره وتجاربه الشعورية بحرية تامة فلا تقيد بأطوال معينة للبيت الشعري ولا كد للذهن بحثاً عن الألفاظ المتوافقة الروي ليجعل القصيدة على نسق واحد وما تتهيأ تلك الأمور للشاعر إلا على حساب الموضوع من جانب وفقدان الوحدة العضوية وعدم الترابط بين مكونات
القصيدة من جانب آخر، ومن هنا نجد ميل الشعراء المحدثين إلى استخدام قصيدة الشعر الحر للتعبير عن مشاعرهم وذلك لما تميزت به من سمات فنية جمعت فيها إلى جانب الوحدة الموضوعية، والوحدة العضوية والموسيقية أضف إلى تحررها من القيود الشكلية التي تحد من قدرات الشاعر وانطلاقه
في التعبير عن خوالج نفسه بحرية وعفوية تامتين.
الفرق بين قصيدة الشعر الحر وما يعرف قصيدة النثر:
ثم ظهر إلى جانب الشعر الحر محاولة أخرى وهي إن كانت أقل شأناً
منه من حيث الانتشار إلا أنها خطيرة في حد ذاتها، لأنها ستقلب مفاهيم الشعر ومعاييره رأساً على عقب، وتخرجه عن مساره التي رسمه له الشعراء والنقاد ليسلك دروباً وعرة ربما لا يحظى فيها بالنجاح والقبول حتى من عامة الجمهور الذين عرفوا الشعر في أبسط صورة وزناً وقافية على أقل تقديره، بله المثقفين وعشاق الأدب تلك المحاولة التي استحدثها بعض الشعراء وأعطوها شكلاً جديداً يغاير شكل القصيدة العربية القديمة كما يخالفها في شكلها الجديد المعروف بالشعر الحر، وقد أسموا هذا اللون من الكلام أو النثر " قصيدة النثر " أو " الشعر المنثور ".
وهذا النمط من أنماط النثر لا يمت إلى الشعر بصلة ولا يشاركه في عنصر من عناصره اللهم وجود العاطفة والخيال والتصوير وتلك سمات مشتركة في أي عمل فني.
وقد تعرض الدكتور شوقي ضيف للحديث عن هذا النوع من الشعر ـ وأسميته شعراً تجاوزاً ـ فقال: " هناك نمطان (من الشعر) الأول يعتمد اعتماداً
كبيراً على قوة الخيال والعاطفة والتصوير ولا علاقة له بالشعر حيث يخلو
من الوزن والقافية، والنمط الثاني يعتمد على قافية متنوعة دون الالتزام بالأوزان الشعرية المعروفة وإيقاعاتها ويشبه في أدبنا ما يعرف بالنثر المسجوع ".
ومما تجد الإشارة إليه بأن كلا النمطين لا يمتان للشعر بصلة إذ يفتقران إلى أبسط معاييره وهو الوزن الذي لا شك أنه العلاقة الفارقة بين ما هو شعر وما هو نثر إلى جانب المقومات الفنية الأخرى التي لا غنى عنها في قصيدة الشعر.
ويبدو أن أول من كتب هذا اللون من النثر المسجوع وأسماه شعراً الشاعر
محمد منير رمزي والذي قال عنه السحرتي: " لقد أتحف موسيقى الشعر
الحر أحد شباب جامعة فاروق الأول بشعر صاف رومانتيكي غارق في الرومانتيكية ".
ثم يستعرض له نتفاً من ذلك الشعر، يقول محمد منير رمزي:
" إن الليل عميق يا معبودتي، لكن أعماقه ضاقت بآلامي .... أحكي له
في دمعة أشجاني وأرسل في آذان الصمت أغنيتي .... لكن أصداءها ترتد
في ذلك إلى قلبي فيطويها ".
ومن هنا نجد أن الاختلاف بين قصيدة الشعر الحر الملتزم بالأوزان الشعرية المعرفة ن وبين قصيدة النثر التي تجردت من تلك الأوزان.
من كتابنا نشأة الشعر السعودي واتجاهاته الفنية.
الدكتور: مسعد محمد زياد
المشرف والمطور التربوي
بمدارس دار المعرفة الأهلية بجدة
والأستاذ المشارك بجامعة سبأ فرع السعودية
والمشرف على مشاكل التعليم بالمنتدى العربي الموحد
والمستشار التربوي لمنتديات الحصن النفسي والثقافي
والمستشار العام لمنتديات ملتقى الواحة الثقافية.
عضو تجمع الأدباء والكتاب الفلسطينيين.