ويرى حسام الخطيب أنه كما دافع ابن قتيبة والمرزوقي وابن خلدون عن وحدة البيت في القصيدة، فإن البنيويون أيضا يهتمون بهذا الأمر، 18 إلا أنني أخالفه هذه الفكرة؛ فما عرفته عن هذا المنهج هو اهتمامه بالنص الأدبي كوحدة متكاملة.
أيضاً ممن كانت له إشارات ولمحات فيما يتصل بهذا المنهج الناقد العربي (حازم القرطاجني ق6 هـ) حين أشار إلى البعض عناصر الاتصال في النص لدى البنيويين. 19إضافة إلى محاولاته في النظرة الكلية للنص الأدبي.
البنيوية العربية الحديثة:
لم تنتشر البنيوية في العالم العربي كما كانت في الغرب تتوزع في كل المجالات، سواء العلوم الإنسانية، أم غيرها من البحتة. فقد تمركز هذا المنهج في النقد الأدبي دون غيره.
وقد بدأت في أواسط الستينيات حين نشر (محمود أمين) في مجلة (المصور) مطلِقاً على هذه المناهج: (الهيكلية)، وبعدها توقف الزحف حتى نهاية السبعينيات فقد نشر العديد من النقاد والأدباء العرب دراساتهم التي اتجهت اتجاهي البنيوية: الشكلاني، والتكويني، وإن كان للتكوينية النصيب الأكبر من الانتشار. 20
وهاهو ذا شكري عيّاد في مقالته (موقف من البنيوية) يوضح مدى تقبّل النقاد العرب لهذا المنهج حين يحاول وضع تصور للبنيوية بين مناهج النقد الأخرى معلِّلاً لولادتها، ومدى علاقتها بالمناهج الأخرى كالسميولوجية. 21
بينما هناك من يرى أن هذا الاستقبال قد توزّع لثلاثة مشارب مختلفة:22
1 - الترجمة من النظريات النقدية الغربية إلى اللغة العربية.
2 - مراجعة الموروث العربي؛ للخروج بأوجه اتصال وتقابل بينه وبين ما لدى النقد الغربي.
3 - التطبيق، وتناول النصوص العربية القديمة والحديثة، وإسقاط النظريات النقدية عليها.
وقد ظهرت المحاولات النقدية إلا أنها ظلت محدودة ومتواضعة، رغم تحفّزها وطموحها المتردّد للتوازي مع ما وصل إليه النقد الغربي .. هل هذا الجهد من أجل تحقيق معرفة بعلاقات النص، أم أنه مجرد مواكبة للتطور النقدي؟ 23
وبعدها نجد مقالات د. الغذامي، قبل كتابه (الخطيئة والتكفير) يؤكد فيها أن لا ثمة ناقد بنيوي صرف؛ وإنما البنيوية كمنهج نقدي حاضرة في أغلب الممارسات النقدية. ولا يكتفي بهذا الجانب التنظيري، وإنما يحاول التطبيق على بعض النصوص الأدبية.24
آراء بعضهم:
• يرى د. المسدّي أن البنيوية تجرأت على النص وأزاحت ما كان يحيط به من هالة قدسية تعيق عن الرؤية الموضوعية المتأنية، إضافة إلى أن (موت المؤلف) كانت الفكرة الجانية عليها. 25
• لـ د. سعد أبو الرضا لمحات:26
1. أن النظرة المادية لواقع النص أو ما يتصل به تجعل الاتجاه البنيوي يتجاوز حدوده في تحليل النصوص المقدسة.
2. حينما يؤمن هذا الاتجاه بالواقع دون غيره في تحليل النص، فيتجاهل ما فوق الواقع والقيم الأخلاقية؛ فذلك –بلا شك- ينافي تحقيق التفاعل بين النص والمتلقي فضلا عن الإخلال بالاعتقاد الإسلامي.
3. الإيمان الأعمى والمطلق من أصحاب هذا المنهج بما يكتبون، يجعلهم رافضين لكل نقد أو ملحوظة؛ مما يمنع التواصل المثمر للرفع من قيمة النقد.
4. حرص البنيويين على عزل النص عن صاحبه (موت المؤلف) يمنع من معرفة ظروف هذا النص المساهمة في تحليله.
• يقول شكري عيّاد إن هذا التناقض هو ديدن الحضارة، الساعية لتحويل كل عمل إنساني إلى نظام مجرد؛ لكن الأدب اصطدم بها، فهو –كما نعلم- يعبر عن حالة الإنسان الشعورية.27
• ويعتقد د. حمودة أن فشل البنيوية الحقيقي هو عجز المنهج عن تحقيق المعنى، وإن سلّم بنجاحه في تحليل اللغة إلا أنه ينفي كفاءته في تحليل النصوص.28
وبعد هذا ..
• نشأة البنيوية لم تكن نقدية، وإنما لغوية.
• لم يستأثر النقد الأدبي الغربي بهذا المنهج؛ وإنما شمل أغلب العلوم من إنسانية وغيرها؛ بعكس انحصاره عربيا في النقد الأدبي.
• بعض من النقاد الذين تبنوا البنيوية في بداياتها، نفضوا أيديهم عنها بعد أن تبين قصورها في تحليل النصوص، كالفرنسي رولان بارت.
• لا يحق تجاهل وجود بعض نقاط الالتقاء بين النقد العربي القديم على بساطة أدواته، والغربي الحديث في هذا المنهج.
• ظهور ما يسمى بـ (ما بعد البنيوية)، نشأت على أنقاض البنيوية، وحاولت تفادي ما كان في الأولى من عيوب؛ كقضية (موت المؤلف) التي ساهمت بشكل كبير في زوال المنهج.
¥