قال جار الله الزمخشري] 467 - 538ه [: هو من آدب الناس، وقد أدب فلان وأرب,, وتقول: الأدب مأدبة ما لأحد فيها مأربة، وأدبهم على الأمر: جمعهم عليه يأدبهم,,
يقال: إيدب جيرانك: لتشاورهم,, قال:
وكيف قتالي معشراً يأدبونكم
على الحق أن لا تأشبوه بباطل
وتقول: أدبهم عليه، وندبهم إليه,, وإذا انتقر الآدب نقره الجادب,
ومن المجاز: جاش أدب البحر إذا كثر ماؤه) 1 (,
قال أبو عبد الرحمن: هو من آدب الناس صيغة تفضيل، ولا مجاز فيها لغة,, فإن كان الموصوف ليس أهلاً للصفة: فذلك كذب خبر لا يمس حقيقة اللغة,, وإن كان
الموصوف لا يصل إلى درجة الأفضلية فذلك مجاز أدبي لا لغوي؛ لأن المبالغة في الادعاء مجاز أدبي خبري لا مجاز مفردة غير مركبة,
وأدب فلان وأرب على بابها، وإنما أراد الزمخشري البلاغة في الجمل المركبة، وأن الموصوف جمع بين فضائل الأخلاق، والتربية العلمية، والدهاء,
وقوله: الأدب مأدبة ما لأحد فيها مأربة: فيه مجازان:
مجاز لغوي: حيث شبه الأدب بالوليمة,, ومجاز أدبي حيث عمم بالنفي، فقال: مالأحد ,, وأدبهم على الأمر مجاز لغوي وأدبي كما سلف بيانه,
وهكذا: إيدب جيرانك مجاز لغوي حيث جعل الأدب لمجرد الاجتماع من أجل التشاور,
ومثل ذلك: أدبهم عليه: فالمعنى جمعهم، وذلك مجاز لغوي كما مر,
وجملة: إذا انتقر الآدب نقره الجادب: على بابها مفردة، وإنما أراد معنى بلاغياً مركباً بأن الآدب إذا لم يدع الجفلى عابه العائب أو الكاذب,
وأما جاش أدب البحر إذ كثر ماؤه: فأصل المجاز فيه أن أدبه يأدبه - على وزن ضرب - يأتي مصدره أدباً إذا كان بمعنى ذلله وراضه، فكأن البحر روض فكثر أدبه,,
وكان أدبه كثرة الماء؛ لأنه روض على ذلك,, وهو مجاز أدبي بعيد ركيك,
قال أبو عبد الرحمن: وبعد هذه التفرقة بين المجازين أذكر ما قيل عن الأصل الوضعي,, قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري] 282 - 370ه [: أصل الأدب الدعاء
) 2 (,
وقال أبو الحسين أحمد بن فارس]-395ه [: الهمزة، والدال، والباء: أصل واحد تتفرع مسائله وترجع إليه) 3 (,
قال أبو عبد الرحمن: لم يحدد ذلك الأصل الجامع صراحة، ولكن فهم تحديده بدلالتي سياق هما قوله عقب ما مضى مباشرة: فالأدب ان تجمع الناس الى طعامك ,, ثم
قوله آخر المادة: ويقال: إن الأدب] هكذا رسمت بهمزة أسفل [العجب,, فإن كان كذا فلتجمع الناس له) 4 (,
قال أبو عبد الرحمن: الأصل في مادة الهمزة والدال والباء الاسم على صيغة فعل محركة، وهي الأدب: فاشتق منها أفعال، وحولت إلى صيغ فتعددت أحوال معناها بتعدد
معاني الصيغ,
وأما المعنى الوضعي الأولي الأصلي الحقيقي الجامع لمعاني هذه المادة الدال عليها دلالة مطابقة فهو الأخلاق الفاضلة,, والأخلاق في الشرائع حكمها واحد مدحاً
وذماً؛ لأن الأديان الربانية جاءت بالأخبار عن أحكام الأخلاق، والأخبار ثابتة لا يدخلها النسخ,
وتختلف الآداب التي هي أخلاق وفضائل باختلاف الفلسفات والعادات: ثم تفرعت المجازات عن ذلك,
والدعاء ليس هو أصل الأدب, وإنما الأدب مما يدعى الناس إليه، فاشتق مجازاً أدبه أدباً إذا دعاه إلى ما يقتضي آداباً أو بعضاً من الآداب، ثم توسعوا به
لمجرد الدعوة,
وهكذا الجمع مجاز, وقد سلف بيانه,
وقد تابع الأزهري بعض اللغويين في جعل أصل الأدب الدعاء كالفيروز آبادي؛ فإنه قال: الأدب محركة الذي يتأدب به الأديب من الناس يسمى به؛ لأنه يأدب الناس
الى المحامد، وينهاهم عن المقابح,, وأصل الأدب الدعاء) 5 (,
قال أبو عبد الرحمن: ليس الأدب هو الذي يدعو إلى المحامد,, بل هو المحامد ذاتها,, إذن الأدب يدعى له الناس وليس هو الذي يدعو، فصح ان الدعاء مشتق من الأدب
لا العكس,
أما أن الحكم، والأمثال السائرة، والمواعظ والحكايات المؤثرة تسمى أدباً، وهي تدعو الى الآداب الفاضلة: فلا يعني ذلك أن الأدب مأخوذ من الدعاء؛ لأن إطلاق
الأدب على هذه الأشياء - سواء أكان الاطلاق في الجاهلية، أم في الاسلام بعد الانتقال من الأمية الى تدوين العلوم - إطلاق مجازي، والمعنى الحقيقي) كما
أسلفت (للفضائل والمحامد ذاتها، وليس لمظانها من الكتب والحكم,
ولما ذكر أبو موسى المديني الأدب - بسكون الدال - قال واشتقاق الأدب] بفتح الدال [منه؛ لأن كل الناس يدعو إليه، أو لأنه يدعو إلى المحامد، أو لأن العقل
يدعو إلى قبوله واستحسانه) 6 (,
¥