قال أبو عبد الرحمن: إذا كان كل الناس يدعو إليه فلا يكون مشتقاً من الدعاء، بل يكون الدعاء مشتقاً منه,, وهو لا يريد بالأدب الحكم والأمثال؛ لأنه قال:
لأن العقل يدعو إليه، وإنما أراد الأخلاق الفاضلة، وإذن فلا يدعو إلى المحامد؛ لأنه هو نفسه المحامد,, وإن أراد الحكم وكتب الأدب فقد أسلفت أن ذلك معنى
مجازي اشتقاقه من الأدب بمعنى الأخلاق الفاضلة؛ لأنه يعلمها ويدعو إليها,
وعرف الجرجاني الأدب بأنه عبارة عن معرفة ما يحترز به عن جميع الخطأ) 7 (,
قال أبو عبد الرحمن: قواعد المنطق، وقواعد الحساب، وقواعد النحو يحترز بها عن الخطأ، ولا تسمى أدباً في الوضع اللغوي، وإنما الأدب الأخلاق الفاضلة,
وتابع القائلين باشتقاق الأدب من الدعاء محمد طاهر الصديقي]-986ه [) 8 (,
وقال الكفوي: الأدب كل رياضة محمودة يتخرج بها الانسان في فضيلة من الفضائل؛ فانها يقع عليها الأدب) 9 (,
قال أبو عبد الرحمن: إنما ذلك التأديب والتأدب,, أما الأدب ذاته فهو الفضائل ذاتها,
وقال الزبيدي ناقلاً كلام الفيروز آبادي مذيلاً عليه: الأدب) محركة (الذي يتأدب به الأديب من الناس، سمي به لأنه يأدب الناس إلى المحامد وينهاهم عن
المقابح,, وأصل الأدب: الدعاء,, وقال شيخنا ناقلاً عن تقريرات شيوخه: الأدب ملكة تعصم من قامت به عما يشينه,, وفي المصباح: هو تعلم رياضة النفس ومحاسن
الأخلاق,, وقال ابو زيد الأنصاري: الأدب يقع على كل رياضة محمودة يتخرج بها الانسان في فضيلة من الفضائل، ومثله في التهذيب,, وفي التوشيح: هو استعمال ما
يحمد قولاً وفعلاً، أو الأخذ او الوقوف مع المستحسنات، او تعظيم من فوقك والرفق بمن دونك,, ونقل الخفاجي في العناية عن الجواليقي في شرح أدب الكاتب: الأدب
في اللغة حسن الأخلاق وفعل المكارم,, وإطلاقه على علوم العربية مولد حدث في الاسلام,, وقال ابن السيد البطليوسي: الأدب أدب النفس والدرس, والأدب الظرف
بالفتح وحسن التناول,, وهذا القول شامل لغالب الأقوال المذكورة، ولذا اقتصر عليه المصنف) 10 (,
قال ابو عبد الرحمن: تعريف الأدب بأنه الذي يتأدب به الأديب كلام صحيح، وقوله: لأنه يأدب الناس الى المحامد تعليل غير صحيح؛ لأن المحامد ذاتها هي الأدب
ذاته الذي يتأدب به الأديب,
وأما أن الأدب ملكة تعصم عما يشين فليس بصحيح، بل الأدب الفضائل والمحامد ولازمها ترك المقابح,, أما الملكة فهي سبب المعنى وليست ذاته,, وكلام المصباح
وأبي زيد سلف أنه عن التأدب والتأديب وليس هو الأدب,
وما في التوشيح صفة الأديب، وليس هو معنى الأدب,, وتعريف الأدب بحسن الأخلاق تعريف صحيح، وتعريفه بفعل المكارم غير صحيح؛ لأن ذلك صفة الأديب لا معنى الأدب,
وقول ابن السيد وما بعده شامل لمعاني الأدب الحقيقية والمجازية وانما نحرر ها هنا المعنى الحقيقي,
وذكر جملة من معانيه ومصطلحاته الكفوي، وأسوق كامل كلامه على انه بحاجة الى تعقب في مناسبة قادمة,, قال: الأدب بفتح الأول والدال المهملة يطلق على العلم
والتهذيب، وحميد الخصال وجميلها، والسداد وحسن السيرة كما في كشاف اللغات,
وهو في اللغة العربية يتعلق بعلوم اللغة, وما يتصل بالفصاحة والبلاغة,, وكذا ذكر الشيخ عبد الحق المحدث في رسالة حلية النبي صلى الله عليه وسلم,
وفي بحر الجواهر: الأدب حسن الأحوال في القيام والقعود, وحسن الأخلاق والخصال الحميدة,, وفي العناية: الأدب اسم يقع على كل رياضة محمودة فيخرج بها الانسان
الى فضيلة من الفضائل,
وقال ابو زيد: ويجوز ان يعرف بأنه ملكة تعصم من قامت به عما يشينه,
وفي فتح القدير: الأدب الخصال الحميدة,
والمراد بالأدب في قول الفقهاء كتاب أدب القاضي اي ما ينبغي للقاضي ان يفعله لا ما عليه,, والأولى التعبير بالملكة؛ لأنها الصفة الراسخة للنفس فما لم يكن
كذلك لا يكون أدباً كما لا يخفى,, كذا في البحر الرائق شرح الكنز في كتاب القضاء,
والفرق بينه وبين التعليم ان التأديب يتعلق بالمروءات والتعليم بالشرعيات,, أي الأول عرفي والثاني شرعي، والأول دنيوي والثاني ديني كما في الكرماني شرح
صحيح البخاري في باب تعليم الرجل,
وفي التلويح في بحث الأمر: التأديب قريب من الندب,, إلا أن الندب لثواب الآخرة والتأديب لتهذيب الأخلاق، وإصلاح العادات,
¥