لكن هذا النوع من الكتابة لم يرق الى مرحلة تدوين التراث الشعري رغم ان بعض الشعراء كان ينقح شعره مرات ومرات ولابد انه احتاج لذلك الى التدوين والكتابة والشطب , ويعزى سبب قصور الكتابة عن النقل الشفوي كوسيلة لحفظ التراث الى أن كثيرا من عرب الجاهلية لم يكونوا يعرفون القراءة , واقتصرت على من تعلم منهم من أمثال عدي بن زيد , ولقيط بن يعمر , والمرقش الاكبر , ولبيد ... الخ , ولم يكن من السهل على الشاعر االذي لايعرف الكتابة كلما قال قصيدة ان ينتظر حتى يتوفر له من يكتبها , وفضل الاعتماد على رواة أشعاره وعلى تداول شعره في الأسواق الادبية , وكان ثمة صعوبة في تأمين أدوات الكتابة كالاقلام والقراطيس والطوامير وغلاء أثمانها ناهيك عن الخوف من التلف والضياع.
لايعرف احد على وجه التحديد متى بدا العرب بالكتابة ولكن من المؤكد ان كل الشعوب التي مرت بنفس مرحلة البداوة التي مر بها العرب كانت تكتب في بدايات أمرها على جلود الحيوانات وعظام الكتف والاقتاب وصخور البراري , ولكن هذه الوسائل لم تصمد أمام عوادي الايام فكان الزمن كفيلا بمحو كثير من المعلومات المدونة الى أن ظهرت القراطيس (ورق البردي) والمهارق الفارسية فكانت أصلح للكتابة والتدوين ولكن غلاء أثمانها جعلها غير شعبية وحكرا على الموسرين ووسيلة لتثبيت صفقات البيع والتجارة بين الناس , ولم تصمد أمام النقل الشفاهي للتراث الادبي.
بقي الوضع هكذا حتى ظهور الاسلام وكان جمع القرآن وتدوينه أكبر عملية تدوين موثقة في ذلك الزمان , وبدأ التدوين ينتشر بعدها , ويروى ان الفرزذق مر بقبيلته فوجد أفرادها في حجورهم المصاحف فقال: ايه لكم فداكم ابي وأمي كذلك كان أجدادكم.
ان المجهود العلمي الكبير الذي بذله الرواة الثقاة في العصور المتقدمة كابي عمرو الشيباني والاصمعي وابن الاعرابي والاصفهاني في جمع الادب الجاهلي وتدوينه حفظ لنا أدبا وتراثا سيبقى مابقي الزمان , ولم يكن هذا ممكنا الا بعد تقدم المجتمع وتوفر أدوات الكتابة وانتشارها , ونشوء طبقة علمية حقيقية من المثقفين وطلاب الادب يطلبون هذا الانتاج.
ـ[رسالة الغفران]ــــــــ[13 - 12 - 2007, 03:11 ص]ـ
السلام عليكم
لا فظ فوك استاذي الكريم
وجعلك الله من الموفقين في الدنيا والآخرة
مهلا فما بعد هذا البر إمكان **وليس فوق الذي أحسنت إحسان
أنرتنا .. أنارك الله إلى الصراط المستقيم
ـ[عز الدين القسام]ــــــــ[13 - 12 - 2007, 11:07 م]ـ
بارك الله فيكم أخي العزيز دكتور منذر عمران الزاوي على هذا الشرح المفصل الواضح.
أنا أعلم أن الكتابات إنتقلت للعرب الجاهلية من قديم الزمان , ومحدودية متعليمي هذه اللغة لا ينفي وجودها , وسؤالي:هل صحيح أنا الحروف العربية إنتقلت وأقتبسلت إن صح التعبير عن اللغات الشرق أوسطية القديمة , مثل المصرية القديمة والآشورية والفينيقية والعبرية , فكلنا يعلم أن الإنجيل نزل مكتوبا على ألواح , كذلك كانت التوراة , وما يجعلني أرجح هذه الروايات أن حروف اللغة العربية القديمة تشبه إلى حد ما الحروف العبرية التي كتبت بها التوراة والإنجيل , كذلك وجدت في بعض الكتب مقارنات بين حروف الكتابة للغات الشرق الأوسط مثل المصرية (رغم أنها كانت رسومات) والآشورية كذلك والفينيقية والعبرية القديمة والسنسكريتية والحميرية وهي أعتقد بداية ظهور الكتابة في الجزيرة العربية قبل أكثر من 4000 عام , وظهرت الكتابات الحميرية مشابهة كثيرا للكتابات المصرية مع تحوير الرسوم الى خطوط للتخفيف بسبب عدم تمتعهم بقدرات وإمكانيات الرسم والنقش الدقيق مثل المصريين الفراعنة.
لا أعلم دقة ما قرأته عن هذا الموضوع , لذلك لجأت إليكم لكي أشبع فضولي في معرفة أصل اللغة العربية.
وأرجوا أن لا أكون قد أثقلت عليكم.
واقبلوا حبي وتقديري وامتناني.
ـ[د. منذر عمران الزاوي]ــــــــ[15 - 12 - 2007, 02:03 ص]ـ
أخي رعد العزيز محبتي وتقديري لك ... ها نحن نلتقي مرة أخرى , وأعود فأشكرك على الأسئلة الجميلة والملاحظات القيمة.
ان معرفة كيف ارتقى خطنا العربي الى هذه الصورة الجميلة الأنيقة الفنية هو بحد ذاته مسالة شائقة أكانت غايتها ارضاء البحث العلمي أم لا.
¥