ولما كان من غير الممكن استحضار واستعراض جميع الصيغ في استعمالات القرآن للدلالة الصوتية، فقد اختار المؤلف نماذج محددة ـ أحد عشر نموذجا ـ يعبّر كل واحد منها عن مظهر فني، ليقاس مثله عليه.
النموذج الأول: قوله تعالى:" وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال .... " إلى قوله تعالى"فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون " سورة يونس (90 ـ 92) 0
النموذج الثاني: قوله تعالى:" أولم يروا إلى الطير فوقهم صافّات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير" سورة الملك (19) 0
النموذج الثالث: قوله تعالى:"ومن يشرك بالله فكأنما خرّمن السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق" سورة الحج (31) 0
النموذج الرابع: قوله تعالى:" وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل " سورة فاطر (37) 0
النموذج الخامس: قوله تعالى:" يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثّاقلتم إلى الأرض " سورة التوبة (38) 0
النموذج السادس: قوله تعالى:" يوم يدعّون إلى نار جهنم دعّا " سورة الطور (13) 0
النموذج السابع: قوله تعالى:"ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم اتخذ فلانا خليلا" سورة الفرقان (27ـ28) 0
النموذج الثامن: قوله تعالى:" والذي قال لوالديه أفّ لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي " سورة الأحقاف (17) 0
النموذج التاسع: قوله تعالى:" والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس" سورة التكوير (17ـ18) 0
النموذج العاشر: قوله تعالى:" والعاديات ضبحا ... " إلى قول تعالى:" .. فوسطن به جمعا" سورة العاديات (1ـ5) 0
النموذج الحادي عشر: قوله تعالى:" وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلّقت الأبواب وقالت هيت لك " سورة يوسف (23) 0
ولعلي ألخص بشكل مختصر تعليقه على واحد منها ـ النموذج الثامن ـ ليكون دليلا للقارئ على كيفية تناول المؤلف لهذه الأمثلة:
يقول: تكاد كلمة "أفّ" تنقلب بجرسها من اسم فعل إلى اسم صوت، فإن ما في الفاء من طرد النفس من الصدر حكاية للرفض وإرادة التخلص من الموقف وصاحبه، و ولو أن الرافض بحث عن تعبير مناسب للرفض ما وجد أفضل من لفظ "أف" بسبب ما فيها من دلالة طبيعية تدعم دلالتها العرفية، فهي تدل بجرسها على ما تدل عليه بوضعها.
قال ابن عاشور:"و"أف" اسم فعل دال على الضجر، وهو منقول من صورة تنفس المتضجر لضيق نفسه من الغضب". وأصلها أنه إذا سقط تراب أو رماد فنفخ الإنسان ليزيله، فالصوت الحاصل هو أف.
الخاتمة: وفيها تلخيص لأهم النتائج التي توصل إليها الباحث وفقه الله في هذه الدراسة، ولعلي أذكر النتيجة الوحيدة التي لم أذكرها في هذا العرض وهي أنه:
ينبغي أن يتخذ التباين الصوتي معيارا أساسيا لنفي فكرة الترادف في العربية، فاختلاف التشكيل الصوتي للألفاظ يتبعه بالضرورة اختلاف في الدلالة، ولو كان هذا الاختلاف في حدود ضيقة وربما خفيّة.
يتبع في الجزء الأخير بيان لأهم مزايا هذه الأطروحة الرائعة إن شاء الله تعالى ......