(ما يستخرجه الرجلُ، بفضلِ ذهنِه، من المعاني والتدابيرِ (35)، فيما يَعْضُلُ ويُهِمّ) (36).
5 - قال النووي:
(قال العلماء: الاستنباط استخراج ما خفي المرادُ به، من اللفظ) (37).
6 - قال ابن القيم:
(استخراج الأمر، الذي من شأنه أن يخفى على غيرِ المُسْتَنْبِط) (38).
ويظهر لي والعلم عند الله أنه يمكن الخروج بتعريف يجمع ما اتفقت عليه التعاريف السابقة وهو أن نقول:
(الاستنباط هو: استخراج ما خفي من النص بطريق صحيح) (39).
وبعد معرفة معنى الاستنباط يمكن بيان العلاقة بين الاستنباط والتدبر بما يلي:
1 - أن التدبر أصل الاستنباط، فلا يمكن الاستنباط من النص قبل تدبره والتأمل في معانيه.:
قال الإمام ابن القيم: " والمقصود تفاوت الناس في مراتب الفهم في النصوص، وأن منهم من يفهم من الآية حُكْمَاً أو حُكْمَيْن، ومنهم من يفهم منها عشرةَ أحكام، وأكثر من ذلك، ومنهم من يقتصر في الفهم على مجرد اللفظ، دون سياقه، ودون إيمائه، وإشارته، وتنبيهه، واعتباره " (40).
وقال ابن عاشور: "وإنك لتمرُّ بالآية الواحدة، فتتأملها، وتتدبرها، فتنهال عليك معانٍ كثيرة، يسمح بها التركيب، على اختلافِ الاعتبارات في أساليب الاستعمال العربي، وقد تتكاثرُ عليك، فلا تك ـ مِنْ كثرتها ـ في حَصَر، ولا تجعل الحملَ على بعضها، منافياً للحمل على البعض الآخر، إنْ كان التركيبُ سمْحاً بذلك" (41).
2 - أن التدبر يعم العلماء وغيرهم، والاستنباط خاصٌّ بأولي العلم:
ومن لطيف التناسب بين الآيات الدال على هذا الأمر أن آية الاستنباط جاءت عقب آية التدبر كما في قوله تعالى: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً) (النساء:83). فوجه الأمر بالتدبر للعموم، وخص الاستنباط بأولي العلم.
3 - يظهر لي والعلم عند الله أن التدبر المأمور به في القرآن؛ متوجه للمقاصد الأصلية من آيات القرآن الكريم، التي تدعو بتأملها إلى الاهتداء بهدي الإسلام والإيمان بالله تعالى، والإقرار بصدق الرسالة، لذا فإن التدبر متوجهٌ إلى الكفار ليُسلموا، ونتيجة التدبر المذكورة في الآيات تؤيد ذلك فقد قال تعالى: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (النساء:82)، فالتدبر يدل على كون هذا القرآن من عند الله تعالى لصحة أخباره وما تضمنه من الهدايات، وأما الاستنباط فهو لدقائق الأمور، لذا خُصَّ بالعلماء دون غيرهم.
المبحث الخامس
(العلاقة بين التدبر والتفسير)
يمكن بيان العلاقة بين التدبر والتفسير وذلك بمعرفة مصطلح التفسير، ثم المقارنة بينه وبين التدبر.
أولاً: التفسير في اللغة:
التفسير: تفعيل من الفَسْر وهو: البيانُ (42)، أو الإبانةُ وكشفُ المُغَطَّى (43).
فالفاء والسين والراء كلمة واحدة تدل على بيانِ شيءٍ وإيضاحِه (44). يقال: فَسَرْتُ الشيءَ أَفْسِرُه بالكسر فَسْراً، ويقال: فَسَر الشيءَ يفْسِرُه ويَفْسُرُه وفسَّره (45)، والتشديدُ أعمُّ في الاستعمال (46)، وبه جاء القرآنُ، كما قال تعالى: (وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) (الفرقان:33). أي: بياناً وتفصيلاً (47).
ويقال: استفسرته كذا، أي سألته أن يُفَسِّره لي (48).
قال ابن الأعرابي: "الفَسْر: كشف ما غُطِّي، وقال الليث: الفَسْر: التفسيرُ وهو بيانُ وتفصيلُ الكتاب" (49).
وقيل مأخوذ من قولهم: فسَرْتُ الحديث، أفسِرُهُ، إذا بيَّنْتُه، وفسَّرته تفسيراً كذلك (50).
ومنه الفَسْر والتفْسِرة وهي: نَظَرُ الطبيبِ إلى الماء وحُكْمُه فيه (51).
وكلُّ شيء يُعرف به تفسيرُ الشيء ومعناه فهو تفْسِرته (52).
ومما يلاحظ أن اشتقاق كلمة (فَسَرَ) تدل على البيان، والإيضاح، والإظهار، والكشف. فتفسير الكلام: بيانه، وإيضاحه، وإظهاره، والكشف عن المراد منه (53).
ثانياً: التفسير في الاصطلاح:
¥