تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[20 Dec 2008, 06:46 ص]ـ

مسألة اشتراط الطهارة لمس المصحف من المسائل التي اختلف فيها العلماء وتباينت آراؤهم.

وسبب الاختلاف في هذه المسألة هو عدم وجود نص صحيح صريح يقطع النزاع فيها، فالذين اشترطوا الطهارة لمس المصحف، وحرّموا على المحدث مسه - وهم الجمهور ومنهم الأئمة الأربعة - استدلوا بقوله تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْءَانٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} (1) [الواقعة: 77 - 79].

وبما ورد في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم: {أن لايمس القرآن إلاَّ طاهر} (2) فقالوا: إن الآية - وإن لم تكن صريحة في الدلالة على المراد - تدل على أنه لايمس القرآن إلاَّ مَن كان على طهارة؛ لأن لفظها محتمل لذلك، ولأن حديث {لايمس القرآن إلاَّ طاهر} يقوي هذا الاحتمال - كما أشار إلى ذلك ابن عبدالبر في آخر كلامه السابق.

والذين قالوا بجواز مس المصحف للمحدث، ولم يشترطوا الطهارة من الحدث لمسِّه - وهم الظاهرية - استدلوا بحديث ابن عباس الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب كتاباً إلى هرقل عظيم الروم، وفيه: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} الآية (3) [آل عمران: 64]، واستدلوا أيضاً بحديث: {إن المؤمن لاينجس} (4).

ومن العلماء من قال: إنه يجوز مس المصحف بظاهر الكف دون باطنه، وهذا القول منسوب للحكم وحماد - كما في المغني لابن قدامة (5).

ومنهم من قال: إنه يجوز مسه للمحدث حدثاً أصغر، ولايجوز مسه لمن كان محدثاً حدثاً أكبر (6).

وبين أصحاب هذه الأقوال مناقشات وردود ليس هذا مجال سردها ومناقشتها، فهو مبسوطة في كتب الفقه (7)، وأكتفي هنا بذكر بعض التنبيهات:

التنبيه الأول: الصحيح أن الضمير في قوله تعالى: {لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] راجع إلى الكتاب المكنون الذي في السماء، وأن المراد بـ {المطهرون} الملائكة الكرام الذين طهرهم الله عزوجل من الذنوب والشهوات.

وقد ذكر ابن القيم - رحمه الله - أن هذا هو الصحيح في معنى الآية، وهو أرجح من قول مَن قال: إن المراد بالآية أن المصحف لايمسه إلاَّ طاهر، من وجوه متعددة:

منها: أن السورة مكية، والاعتناء في السور المكية إنَّما هو بأصول الدين، من تقرير التوحيد والمعاد والنبوة - وأمَّا تقرير الأحكام والشرائع فمظنه السور المدنية.

ومنها: أنه قال: {فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ} والمكنون المصون المستور عن الأعين الذي لاتناله أيدي البشر، وهكذا قال السلف في معناه.

ومنها: أنه قال: {إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} ولم يقل: إلاَّ المتطهرون، ولو أراد به منع المحدث من مسه لقال إلاَّ المتطهرون، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222] فالمتطهر فاعل التطهير، والمطهَّر الذي طهره غيره، فالمتوضيء متطهر، والملائكة مطهَّرُون.

ومنها: ما رواه سعيد بن منصور في سننه عن أنس بن مالك في قوله: {لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ = 79} قال: المطهرون الملائكة، وهذا عند طائفة من أهل الحديث في حكم المرفوع، والصحابة أعلم الأمة بتفسير القرآن، ويجب الرجوع إلى تفسيرهم (8).

وعلى هذا، فإن استدلال القائلين بأنه لايجوز مس المصحف إلاَّ على طهارة بالآية الكريمة فيه نظر، إلاَّ إذا كان ذلك من باب التنبيه والإشارة، كما قال ابن القيم - رحمه الله - بعد أن ذكر الوجوه السابقة: (وسمعتُ شيخ الإسلام يقرر الاستدلال بالآية على أن المصحف لايمسه المحدث بوجه آخر، فقال: هذا من باب التنبيه والإشارة، إذا كانت الصحف التي في السماء لايمسها إلاَّ المطهرون، فكذلك الصحف التي بأيدينا من القرآن لاينبغي أن يمسها إلاَّ طاهر) (9).

التنبيه الثاني: كما أن دلالة الآية على منع المحدث من مس المصحف ليست صريحة، فكذلك دلالة حديث: {لايمس القرآن إلاَّ طاهر} ليست صريحة في منع المحدث من مس المصحف، (فلايتم الاحتجاج بهذا الحديث على حرمة مس المحدث للقرآن إلاَّ بعد الاتفاق على أن المراد بالطاهر الطاهر من الحدث.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير