تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والتحقيق أن الطاهر في الكتاب والسنة تطلق بالاشتراك على ثلاثة أمور:

الأول: على الطاهر من الحدث، فالمتوضيء متطهر، والمغتسل من الجنابة متطهر، والمغتسلة من الحيض متطهرة، قال تعالى: {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا"} [المائدة: 6].

الثاني: أن الطاهر هو الطاهر من النجاسة، قال تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ = 4} [المدثر: 4] أي من النجاسات، ومن ذلك حديث: {طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات، أولاهن بالتراب} (10)، وهذا معروف في إطلاقات الفقهاء عندما يقولون هذا طاهر، وهذا نجس، وهذا معروف، قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً طَهُورًا} [الفرقان: 48].

الثالث: الطاهر: المؤمن، أو الذي تطهر من الذنوب، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28]، وكان الصحابي يصيب الذنب فيأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: {طهرني} كما في حديث: {إني قد زنيت فطهرني} (11) ومنه حديث: {إن المؤمن لاينجس} (12).

وإذا كان الطاهر في مصطلح الكتاب والسنة يطلق على كل واحد من هذه المعاني الثلاثة فإن تخصيصه بواحد منها وهو التطهير من الحدث يحتاج إلى مرجح، وإلاَّ فهو تحكم لايُقر عليه) (13).

التنبيه الثالث: بعد طول بحث في هذه المسألة لم يترجح لي أحد هذه الأقوال، ولم أستطع الجزم فيها بحكم، وهي في نظري مسألة مشكلة تحتاج إلى تحرير.

والذي أستطيع أن أقوله هنا: إن القول بمنع المحدث - خاصة المحدث حدثاً أصغر - من مس المصحف ينبغي التثبت فيه وعدم الاستعجال في القول به لأمرين:

أحدهما: أن أدلته فيها احتمال، والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال فإنه لايصلح للاستدلال.

والأمر الثاني: أنه لم يثبت - فيما أعلم - أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المحدث عن مسّ المصحف إلاَّ ما جاء في حديث عمرو بن حزم، وهو - كما سبق - ليس صريحاً في ذلك، وهو كتاب كتبه له لما بعثه إلى أهل نجران وهم قوم كفار، فدلت القرينة على أن المراد بالطاهر هنا: المسلم؛ لأنه لو أراد به المحدث لبينه لأهل المدينة فهم أحوج لهذا البيان لكثرة حاجتهم إلى ذلك (14).

ومعلوم أن هذه المسألة يحتاج إلى معرفتها كل مسلم، ومثل هذه المسائل لابُدّ أن تكون الأدلة فيها واضحة صريحة معلومة.

ومع هذا كله فإن الأخذ بقول الجمهور فيه احتياط، وهو الأولى (وإن كان المعروف عند أهل المعرفة والتحقيق أنه لاتلازم بين قول الجمهور وبين الحق والصواب؛ فقد يكون الحق معهم - وهذا الأكثر في المسائل العلمية - وقد يكون الحق في جانب غيرهم.

والمنصف دائماً يبحث عن الدليل، فما نصره الدليل اتبعه، وإن كان القائل به قليلاً، وما لم يرد فيه دليل أو كان دليله ضعيفاً تركه، وإن كان الأكثرون على القول به) (15).

التنبيه الرابع: الخلاف السابق في المس المباشر للمصحف بدون حائل، وأمَّا حمل المحدث للمصحف حملاً غير مباشر فقد اختلف العلماء فيه أيضاً، فمنهم من قال بجواز حمله حملاً غير مباشر، سواء كان المحدث أكبر أو أصغر، وهو مذهب الحنفية والحنابلة.

ومنهم من قال: لايجوز حمل المصحف مطلقاً، سواء كان الحدث أكبر أو أصغر، وسواء كان الحمل مباشراً وغير مباشر، وهذا مذهب المالكية والشافعية.

والصحيح في هذه المسألة هو قول المجيزين؛ لأن من حمل شيئاً حملاً غير مباشر لايسمّى ماسّاً لذلك الشيء، والنهي إنَّما ورد عن المسّ، ولايُقال لمن حمل شيئاً بالواسطة إنه ماسٌّ له، بل يقال: إنه حامل، وبينهما فرقٌ كما لايخفى (16).

قال في المغني: (والصحيح جوازه؛ لأن النهي إنَّما يتناول مسه، والحمل ليس بمس) (17).

ــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) انظر أقوال المفسرين في تفسير هذه الآية في: أحكام القرآن للجصاص 3/ 555، وأحكام القرآن لابن العربي 4/ 174 - 176، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 17/ 225 - 227، وروائع البيان تفسير آيات الأحكام من القرآن للصابوني 2/ 472 - 474.

([2]) [يخرج] ... .

([3]) [يخرج] ... .

([4]) [يخرج] ... .

([5]) المغني لابن قدامة المقدسي 1/ 202.

([6]) مال إليه الشوكاني كما في نيل الأوطار 1/ 207، ورجحه الشيخ عبدالمحسن آل عبيكان في كتابه غاية المرام شرح مغني ذوي الأفهام 2/ 163.

([7]) انظر: المغني لابن قدامة 1/ 202 - 204، والمجموع شرح المهذب للنووي 2/ 67، 72، ونيل الأوطار للشوكاني 1/ 205 - 207.

وقد قامت لجنة البحوث العلمية والإفتاء بكتابة بحث في هذه المسألة نشر في مجلة البحوث العلمية، العدد الثالث عشر، ص 24 - 45، وأفردها الدكتور عمر الأشقر في كتابه: مسائل من فقه الكتاب والسنة، المسألة الحادية عشرة ص 165 - 175، وبحثها بتوسع أيضاً الدكتور فيحان المطيري في كتابه الطهارة لقراءة القرآن والطواف بالبيت الحرام.

([8]) انظر: بدائع التفسير الجامع لتفسير ابن القيم 4/ 363 - 365.

([9]) المرجع السابق 4/ 365.

([10]) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب: حكم ولوغ الكلب رقم [279] ص 136، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - (ط: بيت الأفكار الدولية).

([11]) ثبت هذا في صحيح مسلم في حديث ماعز والغامدية في كتاب الحدود، باب: من اعترف على نفسه بالزنى رقم [1695] ص 704 (ط: بيت الأفكار الدولية).

([12]) [يخرج] ... .

([13]) ما بين القوسين مأخوذ بتصرف من كتاب مسائل من فقه الكتاب والسنة للدكتور عمر الأشقر ص 171 - 173.

([14]) أشار إلى هذا التعليل الشيخ عبدالمحسن آل عبيكان في كتابه غاية المرام شرح مغني ذوي الأفهام 2/ 165 وذكر أنه لم يجد أحداً سبقه إلى هذا التعليل.

([15]) من بحث بعنوان: حكم قراءة الجنب للقرآن، للشيخ سليمان العلوان في مجلة الحكمة، العدد الخامس ص 105.

([16]) انظر: كتاب الطهارة لقراءة القرآن والطواف بالبيت الحرام للدكتور فيحان المطيري ص 92 - 94.

([17]) المغني لابن قدامة 1/ 204.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير