تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

.. وأما الآثار عن السلف في استحباب الوضوء وعدم وجوبه، فكثيرة، عن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وسلمان الفارسي، وأبي هريرة، ومن التابعين عن علي بن الحسن زين العابدين، وسعيد بن جبير، ومحمد بن سيرين، وإبراهيم النخعي، وغيرهم (8).

... المسألة الثانية: الطهارة من الحدث الأكبر:

... وهو ما يوجب الغسل، كالجنابة، والحيض والنفاس.

... مذهب جمهور العلماء حرمة قراءة القرآن للجنب والحائض، وأحسن ما استدلوا به لذلك حديث يروى عن علي، رضي الله عنه، قال:

... كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقضي حاجته، ثم يخرج فيقرأ القرآن، ويأكل معنا اللحم، ولم يكن يحجبه عن القرآن شيء ليس الجنابة.

... وآخر يروى عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: (لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن).

... وهذا حديثان لا يصحان عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، والتحريم لا يجوز القول به إلا ببرهان صحيح بيّن.

... وذهبت طائفة من أهل العلم إلى جواز القراءة للجنب والحائض، إبقاء على الأصل في عدم ثبوت المانع، لكن بعضهم قصر الرخصة على القليل من ذلك كالآية والآيتين، خاصة للجنب.

... وكأن ذلك جاء من جهة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كره ذكر الله على غير وضوء، والجنابة أكبر من الحدث الذي يوجب الوضوء، فحالها أولى بالكراهة، لكن هذا لا يبلغ التحريم.

... والذي أراه الراجح في حق الجنب: كراهة قراءة القرآن له حتى يتطهر، فإذا قرأ ترك الأولى ولم يأثم.

... وصح عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قال: (لا يقرأ الجنب القرآن)، وعن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، سئل عن الجنب: أيقرأ القرآن؟ قال: (لا، ولا حرفا) (9).

... فهذا وشبهه مما يحسن الانتهاء إليه ولا يجب؛ لأن الوجوب حكم الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يثبت هنا، وإنما أقصى ما يفيده المنقول الثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الندب إلى ذلك.

... أما الحائض، فأمرها أيسر من الجنب؛ لأن حيضتها ليست في يدها، وهي تجلس الأيام لا تصلي انتهاء عند نهي الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، فلا يصلح أن تحجب فيها عن سائر الأعمال الصالحة، دون أن يمنعها من ذلك الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وحيث علمتَ عدم ثبوت مانع يمنعها من قراءة القرآن، فيبقى حالها على الأصل في الجواز.

... بل تأكد لنا ذلك بأكثر من هذا الاستدلال، ومحل بيانه غير هذا الموضع.


(1) حديث صحيح. أخرجه أحمد (4/ 345 و 5/ 80) وأبو داود (رقم: 17) والنسائي (رقم: 38) وابن ماجة (رقم: 350) وغيرهم من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن حضين بن المنذر أبي ساسان، عن المهاجر، به، واللفظ الثاني لأحمد في موضع وابن ماجة.
قلت: إسناده صحيح، وصححه ابن خزيمة وابن حيان والحاكم، وله طرق وشواهد استوفيت شرحها في كتابي (حكم الطهارة لغير الصلوات).
(2) ثبت هذا عن أحمد في الموضع الأول من رواية حديث المهاجر المذكور.
(3) حديث صحيح: أخرجه أحمد (6/ 70، 153، 278) ومسلم (رقم: 373) وأبو داود (رقم: 18) والترمذي (رقم: 3384) وابن ماجة (رقم: 302) من طريق زكريا بن أبي زائدة عن خالد بن سلمة، عن البهي، عن عروة، عن عائشة، به. علقه البخاري في (الصحيح) بصيغة الجزم في موضعين (1/ 116، 227)، وقال الترمذي: (حديث حسن غريب).
(4) حديث صحيح. أخرجه أحمد (4/ 237) وأحمد بن منيع (كما في المطالب العالية رقم: 107) قالا: حدثنا هشيم، أخبرنا داود بن عمرو، قال: حدثنا أبو سلام، به.
قال الحافظ ابن حجر في (نتائج الأفكار) (1/ 213): (حديث صحيح).
قلت: إسناده حسن، داود بن عمرو شامي صدوق، كان عاملا على واسط، فلذا وقع حديثه لأهلها كهشيم وغيره، وأما إبهام الصحابي فلا يضره.
(5) الوَضوء - بفتح الواو -: الماء المتخذ للوُضوء - بضمها -.
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير