ولعل أبرز الملامح التي ميزت النص القرآني في معالجته لهذه القضايا من النصوص الأخرى هو تعديل النص القرآني لبعض دلالات تلك الأفكار، وعزفه على وتر القديم نفسه بلحن أكثر انضباطاً، وتمام التناص في البنية العميقة أكثر مما يتم في الصورة اللفظية للتعبير، ولعل ذلك يمثل السبب وراء تكرار مناط التناصّ على أكثر من وجه في ثنايا النصوص الجزئية (السور) التي تشكل في مجموعها النص الكلي الجامع.
وضمن إطار الدكتور منير عن النص في الحياة ومفهوم الاستخلاف ووظيفة الاختلاف، أشار إلى أن حياة النص أي نص تنبثق أساساً من فاعلية ذلك النص في الحياة، كما أنها تنمو وتستمر انطلاقاً من قدرة النص على الإسهام في نمو الحياة واستمرارها. وفي حديثه عن النص القرآني وتفرده فقد أشار إلى أن أهم ملمح تفرد به هو صنع الحياة ودفعها إلى الأمام، وذلك استناداً لمتكأين مهمين هما: مفهومه للاستخلاف، وتصوره للاختلاف.
أما الاستخلاف فإن خلاصة القول فيها أنه يعمل على رفع الإنسان إلى مستوى الموصوف بكونه "الحكم العَدْل" ودفعه إلى تمثله ومحاكاته في مجموع أفعاله الحكمية، وحكمه الفعل براءته من الهوى. ومن الجدير ذكره أن مفهوم الاستخلاف يتجلى في مستويين: مستوى الخصوص/ الفرد، ومستوى العموم/ الجماعة. ثم أفاض باحثنا بعد ذلك ببيان سياسة الاستخلاف التي بناها على دعائم ست، هي:
الحكم: الذي يتأسس على قاعدة الاستجابة لله.
الثروة: التي ليست في المنظور القرآني سوى وظيفة اجتماعية.
المرأة: التي هي مرآة للحياة بأسرها.
الفن: الذي لابد أن الله هو الفنان والمبدع الأعظم.
العلم: المشتمل على العوالم المختلفة: الإنسان، والطبيعة، وما وراء الواقع ... إلخ.
اللذة: التي تعني دفع حبور الحواس إلى مشاركة الوجود معناه، والوصول بغبطة الجوارح إلى عمق تيار الكينونة الإيجابي.
أما فيما يتعلق بوظيفة الاختلاف خاصة بين عصبي الحياة ومركزيها لحساسين ثنائية الرجل والمرأة، فإن النص القرآني بيّن أنه قد تنطوي المفارقة بينهما على التكافؤ، ولكنها لا تنطوي على التماثل.
وحول موضوع فاعلية التغيير للنص في الحاضر، تناول الباحث عدداً من القضايا محاولاً إثبات وجهة نظره في طريقة التغيير من خلال النص، وعلى الرغم من كون الدراسة تتناول المحور اللغوي إلاّ أنه نفذ إليه من خلال معالجات عدة حول مفاهيم: الحاضر، والثبات والتغير، والمعرفة، والتقدم، وتحديات الحياة المعاصرة وغيرها. ولعل أهم المحاور التي يجدر بنا الإشارة إليها من خلال مناقشاته وآرائه هي أن:
- النص مرجعية قائمة يختلف أسلوب العلم بها والتوجه إلى الواقع من خلالها بحسب اللحظة التاريخية، والمكان، وطبيعة المجتمع وظروفه وسمات تحولاته.
- الله تعالى هو الوجود المطلق الذي يصل الحاضر بالماضي والمستقبل في آن.
ومن خلال حديث باحثنا عن فاعلية التغيير الكبرى فإنه يمكن إيجاز عواملها في النقاط الآتية:
1 - استحضار المحذوف الغائب في حركة الواقع.
2 - توظيف الإمكانات الروحية للقيم، وذلك من أجل:
أ - تحريك بجيرة الحاضر الراكدة.
ب - دفع الحقائق الواقعية إلى التكيف مع الغاية والمعنى.
وحتى يكتسب النص قوة التغير وفاعليته فلا بُدّ أن يكون ذا ديناميكية حيوية كبرى تتضمن أكبر عدد ممكن من تنويعات التمثيل في مداراتها المتعددة، العقل، والوجدان، والخيال، التي تعمل جميعاً على تأصيل المعنى الجوهري من خلال أشكال مختلفة تعمل على خلق فضاءات وأبعاد جيدة للمعنى الأصلي. وعندئذ يمكننا القول: إن النص يعيش في شعور العالم، وزمنه ومصيره، وهو الذي يوجه أشواقه وأحلامه ولواعجه، ويعزف إيقاع رؤاه وإرهاصات جوارحه، فالنص يبث تجلياته في الحرف والصوت والصورة والمكان والمادة والروح.
ويبقى السؤال: كيف يكون هذا النص نبعاً للتمثلات؟ من خلال النقاشات المطولة والتطبيقات المتنوعة في هذا المجال جعلت الباحث يخلص إلى عدد من الأسس التي رأى أنها تمثل الجمالية الإسلامية للنموذج الإيقاعي المنشود، وهي:
1 - الانعكاس الذاتي، 2 - الفراغية، 3 - اللامركزية، 4 - الانتشار أو التشعب، 5 - التراكيب.
¥