تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن هؤلاء الأعلام: العلامة الموسوعي الغمام أبو الوفاء ابن عقيل (توفي: 513ه/1119م)، صاحب كتاب "الفنون" وغيره، ذكروا أن كتابه الفنون يزيد على أربعمائة مجلد.

ومنهم: الغمام أبو الحسن بن الزاغوني (توفي: 527ه/1133م)، وصفوه بأنه كان متفنناً في الأصول والفروع والحديث والوعظ.

ومنهم: الإمام الموسوعي أبو الفرج ابن الجوي (توفي: 597ه/1201م)، صاحب التصانيف الممتعة المتنوعة، ومنها كتاب دفع شُبه التشبيه.

وكل هؤلاء، قبل ابن تيمية وتلاميذه.

وأنا أُرجِّح رأي السَّلف -وهو ترك الخوض في لجج التأويل، مع تأكيد التنزيه- فيما يتعلق بشؤون الألوهية وعوالم الغيب والآخرة، فهو المنهج الأسلم. إلا ما أوجبته ضرورة الشرع أو العقل أو الحس، في إطار ما تحتمله الألفاظ.

وفيما عدا ذلك، فلا مانع من التأويل بشروطه وضوابطه، إذا كان هناك موجب للتأويل.

* تأويل النصوص البيِّنات مذهب الباطنية:

أما تأويل النصوص البيّنات المحْكمات، بحملها على معان باطنة غير ما يُفهم من ظاهرها، فهذا هو الإلحاد في آيات الله تعالى، الذي توعَّد الله عليه، فقال: ?إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا? (فصلت:40).

والمراد بالإلحاد هنا: الميل بها عن المقصود منها.

وهذا مدخل واسع للهدًّامين الذين أرادوا الكيد للإسلام وأمته بدعوى أن لكل ظاهر باطناً هو المقصود. والظاهر هو القشر، والباطن هو اللُّب. هو ما زعمته "المدرسة الباطنية" بكل فئاتها، وبمختلف أسمائها، من قرمطية وإسماعيلية ونصيرية ودرزية.

ولو صدق هؤلاء لأعلنوا أن لهم ديناً مغايراً تماماً لدين الإسلام، لا صلة له بقرآن ولا حديث، بل مغايراً للأديان السماوية كلها، بل الواقع أنهم لا دين لهم، فحاصل مذهبهم وزبدته -كما قال الإمام الغزالي- طي بساط التكليف، وحط أعباء الشرع عن المتعبدين، وتسليط الناس على اتباع اللَّذات، وطلب الشهوات، وقضاء الوطر من المباحات والمحرَّمات! 24 فهم امتداد للمزدكية المجوسية الفارسية الإباحية، إنما تمسحوا بالدين ليهدموه باسم الدين، وتعلقوا بالإسلام، ليضربوه من داخله.

ولما كان القرآن محفوظاً من كل تغيير وتبديل في ألفاظه، فلا يمكنهم الزيادة فيه أو النقص منه، لم يجدوا حيلة أمامهن إلا هذا التأويل المفترى، وهذا الادعاء ببواطن خفية، يقولون فيها ما يشاءون، دون ضابط من لغة أو عقل أو شرع.

* من تأويلات الباطنية والزنادقة:

وقد عقد الإمام أبو حامد الغزالي في كتابه فضائح الباطنية فصلاً في تأويلاتهم للظواهر، ذكر فيه نماذج عجيبة، تُعَد أغرب من الخيال. قال: "والقول الوجيز فيه أنهم لما عجزوا عن صرف الخلق عن القرآن والسنّة صرفوهم عن المراد بهما إلى مخاريق زخرفوها، واستفادوا -بما انتزعوه من نفوسهم من مقتضى الألفاظ- إبطال معاني الشرع، وبما زخرفوه من التأويلات تنفيذ انقيادهم للمبايعة والموالاة، وأنهم لو صرَّحوا بالنفي المحض والتكذيب المجرَّد لم يحظوا بموالاة الموالين، وكانوا أول المقصودين المقتولين.

ونحن نحكي من تأويلاتهم نبذة لنستدل بها على مخازيهم، فقد قالوا: كل ما ورد من الظواهر في التكاليف والحشر والنشر والأمور الإلهية، فكلها أمثلة ورموز إلى بواطن: أما الشرعيات: فمعنى الجنابة عندهم مبادرة المستجيب بإفشاء سرّ إليه قبل أن ينال رتبة استحقاقه؛ ومعنى الغُسل تجديد العهد على مَن فعل ذلك.

والزنا هو إلقاء نطفة العلم الباطن فينفس من لم يسبق معه عقد العهد. والاحتلام هو أن يسبق لسانه إلى إفشاء السر في غير محلّه، فعليه الغُسل أي تجديد المعاهدة.

الطهور هو التبري والتنظف من اعتقاد كل مذهب سوى مبايعة الإمام.

الصيام هو الإمساك عن كشف السرّ.

الكعبة هي النبيّ، والباب عليّ.

الصفا هو النبيّ، والمرْوة عليّ، والميقات هو الأساس؛ والتلبية إجابة الداعي. وكذلك زعموا أن المحرّمات عبارة عن ذوي الشرّ من الرجال وقد تُعُبّدْنا باجتنابهم، كما أن العبادات عبارة عن الأخيار الأبرار الذين أمِرنا باتباعهم.

فأما المعاد فزعم بعضهم أن النار والأغلال: عبارة عن الأوامر التي هي التكاليف فإنها موظفة على الجُّهّال بعلم الباطن، فما داموا مستمرِّين عليها فهم معذّبون؛ فإذا نالوا علم الباطن وُضِعت عنهم أغلال التكاليف وسعدوا بالخلاص منها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير