هذا قول الله تعالى للمجرمين يوم القيامة، بعد بعثهم ليوم الفصل بينهم؛ أن يكيدوا كيدًا يخرجهم من عذاب الله، فهو طلب فيه تحد مستمر يظهر مدى عجزهم وضعفهم، وللاستمرارية في التحدي كان حذفت الياء.
أما إثباتها في قوله تعالى: (مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (ي) (55) هود.
فلأن طلب هود عليه السلام من عادٍ الكيد جاء ردًا على قولهم: (إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ ءالِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (ي) (55) هود، حتى يبين لهم كذب ادعائهم، فطلب منهم كيدًا سريعًا إن كانت لآلهتهم مقدرة على الكيد أو الإعانة على الكيد معهم، والفاء في "فيكيدوني" هي للتعقيب السريع بلا تراخٍ دال على طلبه السريع لتكذيب قولهم، بينما كان الطلب في سورة الأعراف من أمر الله عز وجل لنبيه ليتحداهم تحدٍ دائم لهم ومستمر.
المبحث السابع
بسم الله الرحمن الرحيم
حذف ياء المتكلم الزائدة المتصلة بأفعال النهي
حذفت في ثمانية مواضع
(حذف ياء التحول يفيد دائمًا الاستمرار)
1 - تكلمون: ذكرت مرة واحدة وحذفت فيها الياء؛
في قوله تعالى: (قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ (ي) (108) المؤمنون.
هذا نهي دائم من الله عز وجل لأصحاب النار ردًا على طلبهم: (قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107) المؤمنون، فكان حذف الياء علامة نهي أبدي خالد عن طلب الخروج من النار.
2 - تكفرون: ذكرت مرة واحدة وحذفت فيها الياء؛
في قوله تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (ي) (152) البقرة.
هذا نهي من الله تعالى بعدم الكفر بالذي لم يخلق الإنس والجن إلا لعبادته، فكان حذف الياء علامة لهذا النهي الدائم عن الكفر.
3 - تستعجلون: ذكرت مرة واحدة وحذفت فيها الياء؛
في قوله تعالى: (خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُوْرِيكُمْ ءايَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (ي) (37) الأنبياء.
هذا نهي دائم من الله عز وجل للكافرين بعدم استعجالهم الله تعالى في إنزال العقاب بهم، فالأمر كله إليه، ولا يفعل سبحانه وتعالى إلا ما يريده هو وقت ما يشاء، قال تعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (34) الأعراف. وفي ذلك تهديد لهم بتعجيل العذاب؛ فقد جاءت هذه الآية بين آيتين؛ فالتي قبلها بينت سخرية الكفار بالرسول صلى الله عليه وسلم من تعظيمهم لآلهتهم، وكفرهم بالله وكتابه، وهذا مما يغضب الله تعالى، ويوجب عضبه عليهم وعقابهم لهم؛ (وَإِذَا رَءاَكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ ءاَلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَانِ هُمْ كَافِرُونَ (36) الأنباء.
والتي جاءت بعدها يسألون فيها: متى هذا الوعد؟ استخفافًا بعذاب الله؛ قال تعالى: (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) الأنبياء.
والله تعالى سيريهم آياته بنصرة نبيه، وعقاب من يظل على كفره في الدنيا والآخرة، وعلى هذا كان حذف الياء لهذا النهي الدائم؛ لأن عدم الأخذ به، يعجل عقابهم ونهايتهم، ولا يعود عليهم ذلك بأي خير.
4 - تنظرون: ذكرت ثلاث مرات، وقد حذفت الياء فيها جميعًا؛
في قوله تعالى: (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلْ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنظِرُونِ (ي) (195) الأعراف.
طلب الله عز وجل من رسوله أن يتحدى قومه في آلهتهم القابعة في مكانها؛ بلا قدرة على المشي، ولا البطش، ولا الإبصار، ولا السمع؛ بأن يكيدوا له، وألا يمهلوه ولا ينظروه حتى لا يأخذ حذره؛ فكان حذف الياء علامة لشدة هذا التحدي الذي لا تراجع عنه، وثقته بالذي يعتمد عليه في تحديه، لذا جاء ما بعدها مبينًا سر هذه الثقة في التحدي؛ (إِنَّ وَلِيِّي اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) الأعراف.
¥