ومثل ذلك كان حذف الياء في تحدي نوح عليه السلام لقومه؛ في قوله تعالى: (فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ (ي) (71) يونس.
ولنفس السبب كان حذف الياء في تحدي هود عليه السلام لعاد قومه؛ في قوله تعالى: (قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (ي) (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) هود.
وقد نصر الله عز وجل أنبياءه وعصمهم من الكفار.
5 - تقربون: ذكرت مرة واحدة وحذفت فيها الياء؛
في قوله تعالى: (فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلا تَقْرَبُونِ (ي) (60) يوسف.
حذفت ياء تقربوني في نهي يوسف عليه السلام إخوته -الذين لم يعرفوه- أن يأتوا مصر إن لم يحضروا أخوهم معهم وجعل الإتيان به شرطًا لعودتهم؛ لشراء متاعًا لهم في سنين القحط التي مرت على مصر والشام في زمن يوسف عليه السلام، ولما كان النهي مشروطًا لا ينتهي إلا بالوفاء بالشرط؛ يعد النهي مستمرًا حتى يتم الوفاء بالشرط، وإحضار أخاهم معهم في حال قدومهم
6 - تفضحون: ذكرت مرة واحدة وحذفت فيها الياء؛
في قوله تعالى: (قَالَ إِنَّ هَؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ (ي) (68) الحجر.
لو قدر لقوم نوح عليه السلام الذين تعودوا فعل الفاحشة، أن يعتدوا على ضيفه لو كانوا من البشر، وهو على ما عليه من العجز في صدهم؛ لكانت فضيحة دائمة لا شيء يغسل عارها. لذلك حذفت الياء لمعنى الاستمرار فيما ينهاهم عنه من الفضيحة التي يريدون ارتكابها، وهو لا يدري أن ضيفه هم ملائكة العذاب المرسلون إليهم.
7 - تخزون: ذكرت مرتان وحذفت الياء فيهما؛
في قوله تعالى: (وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَاقَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ (ي) فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) هود.
وهذه مثل السابقة في الخشية من خزي دائم لا يزول، كالخشية من فضيحة دائمة؛ إن فعلوا ما يريدون من الفاحشة، لذلك تم حذف الياء لمعنى الاستمرار في النهي عن فعل الفاحشة في ضيفه فيما يخزيه خزيًا دائمًا لا يمحى زولا يزول. .
وفي نفس الحادثة، ونفس الخشية من خزي دائم يلتصق به ولا يفارقه فيما ينهاهم عنه؛ كان حذف الياء في قوله تعالى: (قَالَ إِنَّ هَؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ (ي) (68) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ (ي) (69) الحجر.
8 - تسألن: ذكرت مرتان؛ وحذفت الياء في أولاهما؛
في قوله تعالى: (قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْءَلْنِ (ي) مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ (46) هود.
هذا نهي دائم من الله تعالى لنوح عليه السلام أن يسأله فيما ليس له به علم، ولا يحل لنوح عليه السلام فعله لما وصف الله تعالى فاعله بأنه من الجاهلين، فلم يرضاها الله تعالى لنبيه، ولا يرضاها لغيره. فلأجل ذلك كان حذف ياء تسألني في النهى عنه.
أما إثباتها ياء تسألني في قوله تعالى: (قَالَ فَإِنْ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْءَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70) الكهف.
فلأن نهي الرجل الصالح لموسى عليه السلام عن السؤال كان نهيًا مؤقتًا؛ لقوله (حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا) وبعد ذلك يحل لموسى عليه السلام أن يسأل ما بدا له من الأسئلة.
بهذا ينتهي بحمد الله تعالى؛ البحث في حذف الياءات الزائدة الملحقة في أفعال الماضي، والمضارع، والأمر والنهي، لنتحدث بعدها عن ياءات أخرى في مباحث جديدة إن شاء الله تعالى.
والله ولي التوفيق والحمد لله رب العالمين
أبو مُسْلِم / عبْد المَجِيد العَرَابْلِي
المبحث الثامن / حذف ياء إبراهيم عليه السلام في سورة البقرة