ومع كامل احترامي لِمَن قالوا، وما قيل، ففهمي لعبارة الذهبي - وهو منْ هو - مختلف فأنا لا أرى في كلامه خطأً على وضعه هذا وبلا حاجة إلى تعليله بأنه خطأ ناسخ أو سقط كلام أو سوء فهم من قائله وبيان ذلك:
أننا إذا جئنا نُشرِّح كلام الذهبي رحمه الله، فسنجده يحتوي على ثلاثة عناصر رئيسة هي:
1 - وصفه لأقوال السلف بأنها مليحة، وهذه مقدمة يبنى عليها موقف الذهبي من تفسيرهم ولا يجوز إغفالها عند النقد.
2 - الاستدراك بأنها متعددة أي: ليست قولا واحدا، مبينا أن هذا التعدد في الأقوال من شأنه أن يضيع الحق بينه، معللا بأن الحق لا يكون في جهتين.
وهو بهذا يؤكد أن الحق حاصل في كلام السلف مع الاعتقاد بأنه عندما تختلف أقوالهم يصعب تعيين أيها هو الحق؟ أي: المراد في النص، ولا يعني هذا أنها أقوال غير صحيحة من جهة التفسير أو مليحة على حد تعبير الذهبي نفسه لكنه يرفض أن تكون كلها - حال كونها مختلفة - حقا أي مرادة وإن كانت على اختلافها من جهة التفسير مقبولة، وحجته أن الحق لا يكون في جهتين أي: مختلفتين.
والسؤال الآن: هل نفى الذهبي وجود الحق فيها جميعا؟
والجواب: أنه لم ينف ذلك بل أكد وجوده بينها لكن لا على التعيين فهو رحمه الله لم يقل: فيضيع الحق عنها فيكون قد نفى عنها الحق، ولكن قال: "فيضيع الحق بين ذلك" أي بين هذه الأقوال ومعنى هذا أنه موجود بينها لكن في أيها؟ هذا ما لا يستطيع الذهبي ولا غيره تعيينه.
وهذا معنى صحيح لكن بملحظ التفريق بين الحق والصحيح.
فالحق في أقوال التفسير هو ما يصيب عين المراد وهذا لا يدور مع معين إلا مع النبي صلى الله عليه وسلم وبعده صلى الله عليه وسلم يدور مع الإجماع، وعليه فما أجمع عليه السلف، هو الحق بلا مراء ولا يجوز لأحد أن يحيد عنه
لكن ما لم يجمعوا عليه – وقد ثبت عنهم – فالحق لا يخرج عن أقوالهم، لكن تعيين الحق فيها هو ما يدق عنا كشفه وعندئذ يضيع تعيينه مع الظن بأنه حاصل في أحدها على الشيوع لا على التعيين.
لكن هل رفض الذهبي مع ذلك كونها صحيحة من جهة التفسير؟
والجواب أنه لم يرفض، بل وصفها بأنها مليحة، وذكر لهذا الاختلاف تعليلا هو الآتي:
3 - قوله: "وربما احتمل اللفظ معنيين " وهذا من الذهبي تعليل لاختلاف أقوالهم وأنه قد يتعدد التفسير لسبب أن اللفظ من المشترك الذي يحتمل أكثر من معنى، ما إمكانية أن يتحمل النص الكريم هذا التعدد من جهة المعنى.
ومثال هذا ما أشار إليه فضيلة الدكتور عبد الفتاح عبد الغني في مداخلته وهو لفظ "القرء" الذي يحتمل الحيض والطهر فكلاهما من جهة التفسير صحيح لكن من جهة الحق لابد أن يكون أحدهما حقا، لكن أيهما؟ هذا ما يدق عن فهم البشر، لأن تعيين الحق – أي المراد – لا يتم باجتهاد بل بالنقل الصحيح الصريح عمن يملك تعيينه.
وأعني:
أولا- النبي صلى الله عليه وسلم وهو المعين الأوحد من البشر الذي يدور معه الحق.
وثانيا- إجماع السلف رضي الله عنهم على تفسيرٍ ما، إذ هو مظنة كونه نبوي المصدر.
ـ[محمود الشنقيطي]ــــــــ[26 Jan 2009, 06:41 م]ـ
ما شاء الله لا قوة إلا بالله , أحسن الله إليك وسدد فهمك وعلمك وعملك.
كلام في غاية النفاسة والوضوح والكمال , كثر الله أمثالك جزاك خيراً.
ـ[الخطيب]ــــــــ[27 Jan 2009, 09:08 م]ـ
شكر الله لك يا شيخ محمود ولك مثل ما دعوت به وأكثر
ـ[أبوسليمان المحمد]ــــــــ[20 Jun 2009, 11:18 م]ـ
-بعض الإخوة-وفقهم الله- لم ينتبهوا للفرق بين نسبة كتاب اسمه: (زغل العلم) للحافظ الذهبي، والقول بأن ما طبعه بعض المحققين-وفقهم الله-[وقد ذكرت سابقا أن بعض المشايخ عاتبوا محقق آخر طبعاته، (وهو نادم على إخراجه بعد أن بينا له ما عليه) -هذا هو نص رسالة أرسلها لي أحد المشايخ المعروفين قبل عدة سنوات-] بعنوان: (زغل العلم) هو كتاب (زغل العلم) الذي عزاه بعض مترجمي الذهبي له؛ ذاكرين [كابن حجر] أو آثرين [كابن العماد؛ ناقلا عن ابن حجر، كعادته في الاعتماد على غيره في كتابه الشذرات].
-وعلى هذا يكون النقل الذي ذكره أحد الإخوة-وفقه الله- دليلا من أدلة عدم ثبوت نسبة المطبوع للذهبي؛ لأن الثتاء الذي بالغ الذهبي فيه [كما يقول ابن حجر، وهي عبارة ظاهرها أنه ثناء غير عارض] على البهاء العسقلاني-عبدالله بن محمد بن عبدالله بن خليل- ليس في المطبوع، مع جزم ابن حجر أنه في كتاب: (بيان زغل العلم)!
-فعلى أقل تقدير يكون أصل الكتاب للذهبي لا كل المطبوع هو كل كتاب (بيان زغل العلم) الذي ذكره غير واحد [فيكون شبيها بكتاب العين (على أحد الأقوال فيه)؛أصله للخليل، والأقوال الضعيفة تلصق بالليث].
-وقد كتبت مقالا فيه كلام عن هذا الكتاب لإحدى الملحقات الإسلامية لإحدى الصحف المحلية، ولكنهم لم ينشروه؛ حصرت ضمنه المواضع الركيكة-لغويا وعلميا- مما لا يتصور صدور مثله عن الذهبي بل من دونه من أهل العلم [وممن أشار إلى نحو هذا أعلم المعاصرين بالمخطوطات: الشيخ حماد الأنصاري-رحمه الله-]،والكلام شبه المبتور مما يدل-على أقل تقدير- أن المخطوطة فيها خلل مغير للمعنى تغييرا واضحا.
-وأما كون بعض طلبة العلم يذكرون لها نسختين خطيتين؛ فكذلك النصيحة الذهبية ذكر صاحب كتاب (الذهبي ومنهجه) له نسختين خطيتين؛ فكان ماذا؟! [مع كون هؤلاء الإخوة-وفقهم الله- يقرون بإنكار نسبة النصيحة الذهبية للذهبي]
-وينبغي أن لا أغفل أيضا كون بعض طلبة العلم لا يفرقون بين الرسالة الذهبية وبيان زغل العلم، وهذا خطأ دون شك.