تبين من العرض الذي بسط في هذا البحث السريع ان هناك فرق كبير في المجال الدلالي الذي يستعمل فيه كل من لفظ الدين ولفظ رولجيون وقد بينا ان اقرب لفظ عربي لكلمة رولجيون هو لفظ الملة ويمكن في هذا السياق اظافة لفظ ىخر مثل النحلة ولكن وفي اغلب الحالات فانه من الظلم للكلمتين دين ورلجيون ان يتم ترجمة الواحد منهما بالاخر وهذا يعود الى الاختلافات العديدة في الاستعمال والدلالة الموجودة بين اللفظين ومن ذلك مثلا:
ان لفظ رلجيون يدل على تقسيم للوجود بين وجود زمني ومادي او بحسب التعبير الاتيني سكلار secular وبين وجود روحي مطلق ومقدس وهو الوجود الذي يعبر عن المجال الدلالي لكلمة رولجيون. مقابل هذا فان لفظ الدين يكسي طابعا دنيويا تشريعا على ما هو روحي ومقدس كما يكسي الدنيوي والتشريعي طابعا روحيا. وهو في نفس الوقت الذي يقدس فيه الدنيوي يكسي به الروحي والمقدس طابعا دنيويان يحتفظ على نوع من الاستقلالية القانونية لكل منهما. وذلك من خلال ما استببطه الفقاء المسلمين عندما يتحدثون عن حقوق الله وحقوق العباد. فحقوق العباد مرتبط بافراد المجتمع بينما حقوق الله مرتبطة بحقوق المجموعة وان امكن للافراد التخلي عن حقهم القانوني في حال اللاعتداء فانه ليس لاحد سلطة ولا مشروعية للتخلي عن حق المجموعة بما انها من حقوق الله وليس لاحد الحق بالتكلم عن الله سوى الله في ما اعلنه في نصه القراني. وهذا المعنى يشرح الميزة الاساسية لكلمة الدين بما هو منظومة قانونية متسمة بسلطة اخلاقية قائمة على الاعتقاد.
وتفسر قدسية الدنيوي والزمني مفهوم الحساب والعقاب في اليوم الاخر فالمسلم يدرك ان لكل اعماله واحواله قيمة جزائية وانه بالتالي مسؤول ومحاسب على تلك الاحوال والاعمال ولهذا فان كل مكلف ينتمي الى ملة الاسلام مسؤول كفرد ومحاسب على حال دينه.
ولذلك فانه ان امكن الحديث عن فصل بين الزمني والمقدس عندما يتعلق الامر بالحديث عن المجال الدلالي لكلمة رولجيون فان هذا الامر لا يصح عندما يكون الامر متعلقا بالمجال الدلاللي لكلمة الدين. وذلك ان الاساس اللغوي لدلالة هذه الكلمة مرتبطة بالسلطة والقدرة على الحساب والمحاسبة.
في علاقة المسلم بغير المسلم:
من الافهام الشائعة بين فئة من المسلمين فهم للقران مفاده ان من اسباب وتعليللات جواز القتل والقتال عقيدة الطرف المقاتل والمقتول وذلك ان هذه الفئة ترى ان عدم اسلام المرء سبب كاف لجواز قتله واباحة دمه. ويثير هذا الفهم الكثير من الجدل بين المسلمين وبين المسلمين وغير المسلمين.
وانه وان اتفق انه النص القراني قد خاطب الانسان وكلفته بالايمان بالله وعدم الشرك به فان مجال الاختلاف يكمن في القيمة الجزائية المرتبطة بالالتزام بهذا الامر او بمخالفته.
وذلك انه لو فهم المسلمون طوال القرون التي حكموا فيها العالم او كانوا اهم قوة دولية فيه بان القران يامرهم بقتل ومقاتل الناس لانهم غير مسلمين لما استقر في ديار المسلمين اليهود والنصارى وعبدة الاوثان ولما توقف قتال المسلمين مع غير المسلمين الا لعجزهم المسلمين عن القتال وهذا لم يقع. زد على ذلك فان التفسير الذي شرحناه لكلمة الدين بين ان الكلمة غير مرتبطة بالعقيدة الا بما هي جزء من التكليفات الشرعية ومعلوم ان جزاء الكفر بالله او الشرك به لا حد شرعي له في القران بل عقابه وجزاؤه اخروي كما انه من حقوق الله وليس من حقوق العباد.
على ان من المصاعب في الفهم او مما يشوش عليه بعض السياقات الدلاللية التي وردت فيها كلمة الدين من مثل قوله تعالى في سورة البقرة الاية 193: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله، فان انتهوا فلا عدوان الا على الظالمين"
وذلك ان الكثير من المفسرين فسروا الفتنة بالشرك ومن ذلك الفخر الرازي فجعلوا الشرك سببا للقتال بينما ذهبوا أخرون الى تفسير الفتنة المعللة والمجيزة للقتال بالاستبداد والاكراخ الذي كان يتعرض له مسلموا قريش على يد مشركي وجعلوا الانتهاء انتهاء عن الفتنة. والحقيقة انه وان ذعي المفسرون الى الخيار الاول فان الممارسة الفقهية على ارض الواقع لم تبرر ذلك الفهم اذ لم يقاتل المسلمون المشركين في ديارهم وهذا ما يرحج الفهم الثاني للنص القراني والذي يبرر القتال من رفع القيود على حرية الاعتقاد ومن اجل توفير اجواء
¥