أن النبي صلى الله عليه وسلم، وجّه إلى الوجه الصحيح في التعامل مع هذه الروايات الإسرائيليات، وهي عدم تصديقها، وكذلك عدم تكذيبها، فإنك إما أن تصدق كذبا، أو تكب صدقا ..
وأي تصديق أعظم من تفسير كتاب الله تعالى بالإسرائيليات؟ فالذي فسر القرآن بهذه الروايات صدقها؛ وأي تصديق؟؟
3 - عن جابر بن عبد الله "أن عمر بن الخطاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه عليه فغضب فقال:
" أمتهوكون -يعني متحيرون- فيها يا ابن الخطاب؟ والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية .. لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به، أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى صلى الله عليه وسلم كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني ".
رواه أحمد وابن أبي شيبة والبزار، وحسنه الألباني رحم الله الجميع.
وله متابعات وشواهد من أحاديث أخرى عن عمر أيضا، لكن فيها نوع ضعف، ولما كان هذا الحديث صالحا للاحتجاج اكتفيت به عن نقلها.
4 - مما يستدل به لقول هؤلاء من المانعين تفسير القرآن بالإسرائيليات: ما رواه الإمام البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما:
"يا معشر المسلمين: تسألون أهل الكتاب، وكتابكم الذي أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم أحدث الأخبار بالله ... أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مساءلتهم، ولا والله ما رأينا رجلا منهم قطّ يسألكم عن الذي أنزل عليكم" البخاري، كناب الشهادات.
وفي الحديث:
*نهي ابن عباس عن الأخذ من الإسرائيليات وسؤال أهل الكتاب، وابن عباس إمام المفسرين وأعلم الأمة بهذا العلم الجليل ومصادره ومآخذه.
*أن ما نقل عن ابن عباس من أخذه الإسرائيليات مما روي بتلك الأسانيد الضعيفة لا يتبت بحال، لمخالفته الواضحة لما صح عنه من نهي عن ذلك.
5 - الدليل الخامس من هذه الأدلة: سدّ الذرائع.
وبيان ذلك أن يقال:
إن فتح باب الأخذ عن الإسرائيليات قد جرّ على التفسير خصوصا، وعلى الأمة - إجمالا - ألوانا من الدخيل في العقيدة والتراث والتاريخ .. وصار من الصعب في مرحلة ما تمييز هذه الدخائل وتنقيتها .. وصارت الروايات الإسرائيلية المخالفة لصحيح الاعتقاد أشهر ما يذكر في تفسير القرآن ..
والأمثلة في ذلك كثيرة، منها: قصة داود في سورة ص~، وذكر التسع والتسعين نعجة، وقصة سليمان في نفس السورة "ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب"، وعدد لا بأس به من الروايات "الخطيرة" التي سوّدت صفحات التفسير ..
ولما كان الأمر كذلك، وجب إغلاق هذا الباب، وقطع مادة هذا التخليط ..
سادسا: الترجيح: الناظر في أدلة الفريقين يرى قوّة أدلة القائلين بحرمة تفسير القرآن بالإسرائيليات، وهو الذي حشدت له الأدلة وأطنبت في الاستدلال له، وهو الذي به أدين لله تعالى، وقد أجبت فيما مرّ ذكره عن أدلة أصحاب القول الأول، والله أعلم.
كتبه: رأفت "محمد رائف" المصري
المحاضر في قسم الدراسات القرآنية، جامعة الملك خالد.
ـ[جمال أبو حسان]ــــــــ[08 Feb 2009, 12:16 ص]ـ
لا فض الله فاك ولا كان من يشناك
فقد احسنت واجدت وينبغي توجيه النظر الى ضرورة القضاء على الاسرائيليات قضاء مبرما فما جاءنا من بني اسرائيل ما ينثلج له فؤاد العليل
ـ[رأفت المصري]ــــــــ[09 Feb 2009, 12:05 ص]ـ
أحسن الله إليكم فضيلة الدكتور.
وجزاكم خيرا على مروركم الكريم.
ـ[عمرو الشاعر]ــــــــ[09 Feb 2009, 10:21 ص]ـ
بارك الله فيك أخي رأفت ونفع بك, وما أحوج الأمة إلى انتشار هذا القول! فكم ضُرت هذه الأمة حقا بهذه التفسيرات الإسرائيلية لكتاب ربها, استنادا إلى هذا التجويز, والتي هي ليست بتفسيرات, وإنما هي تعسيرات أو تهويدات!
جعلنا الله وإياكم ممن يجلون كتابه.
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[10 Feb 2009, 12:37 م]ـ
بارك الله فيك
وأرجو أن تقرأ هذا الموضوع وتبدي وجهة نظرك حوله:
رأي آخر في الإسرائيليات في كتب التفسير ( http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?p=529#post529)
ـ[رأفت المصري]ــــــــ[10 Feb 2009, 02:47 م]ـ
[] الأخوة الأفاضل؛ جزاكم الله خيرا على مروركم الطيب.
أبا مجاهد حفظك الله تعالى ..
قد اطلعت على ما كتبه فضيلة الدكتور مساعد نفع الله به، ولا يخفى أن الشيخ على قدر من التحقيق، وأن دراسته على قدر من العمق.
هذا، وإن الخلاف في هذه المسألة مما لا يسع إنكاره، وإن مقدار الخلاف بين الدراستين هو مقدار الخلاف بين الرأيين أصالة.
وإنني في هذه العجالة أسجّل ملاحظة عامة، على أن أعاود - إن شاء الله - تسجيل بقية الملاحظات.
وهي أن دراستي هذه قد تناولت موضوع الإسرائيليات من حيث الحكم الشرعي لتفسير القرآن بها؛ وذلك باستعراض أدلة الخصماء، ومناقشة كلٍّ من هذه الأدلّة تجريدا.
وعلى خلاف هذا المنهج كانت دراسة الدكتور مساعد، حيث إنها سلطت الضوء على واقع تراثنا التفسيري من حيث علاقته بالتفسير، وتبرير نقل المفسرين لها وإيرادها في كتبهم، مع العناية بشيء من الضوابط التي تنفي أخبث الخبيث من هذه الإسرائيليات من ساحة التفسير.
ولي عود - إن شاء الله -. [/ font]