تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

المعنى الثاني الذي يحتمله لفظ الحديث: حدثوا عن فسقهم وكفرهم وفظائعهم ولا تتحرجوا من ذلك، وذلك أن المسلمين كانوا يعتبرون أهل الكتاب أقرب إليهم من الوثنيين المشركين، فكانوا يتحرجون - في البداية - من معاداتهم وقتالهم، وجاءت الآيات الكثيرة التي تزيل هذه المشاعر من قلوب المسلمين، كقوله تعالى {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب .. } التوبة.

فأي هذين المعنيين مقصود في الحديث؟

أولا: لا بد من بيان أن ترجيح أحد الاحتمالين لا بد له من دليل، وأن الترجيح بلا مرجح نوع تحكم.

ثانيا: الدليل الذي ينبغي به ترجيح أحد الاحتمالين هو النصوص الأخرى في المسألة التي تنهى عن الأخذ من الإسرائيليات، ويأتي بيانها في موضعه إن شاء الله.

إضافة إلى ذلك أمرا مهما له دور مهم في الترجيح بين القولين وهو:

أن المعنى الثاني لا يحتاج إلى تأويل؛ بينما الأول لا بد فيه من التأويل، والذي لا يحتاج إلى التأويل أولى من المحتاج إليه، والله أعلم.

أما الدليل الثالث الذي استدل به أصحاب هذا القول - وهو فعل الصحابة الكرام، خصوصا ابن عباس رضي الله تعالى عنهم جميعا.

فأنقل في هذا المقام كلام أستاذي البحر فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور فضل عباس حفظه الله ورضي عنه وأطال بقاءه ونفع به ومتع ما حاصله المنع من قبول دعوى أن ابن عباس وأبا هريرة وغيرهما من الصحابة قد أخذوا عن الإسرائيليات، فيقول:

"ولكننا عندما نناقش الأمر مناقشة علمية هادئة نرى أن تلك الفرية بعيدة عن الصواب والسداد.

فهل يمكن لمن تتلمذ لسيد الخلق عليه الصلاة والسلام أن يتتلمذ لكعب أمثاله؟ وهل يليق بهؤلاء وقد كانوا يتربعون على كرسي الأستاذية بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُجلسوا على كرسيهم هذا من هو دونهم؟

فأبو هريرة - مثلا - يروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم ما يزيد على خمسة آلاف وأربعمائة حديث؛ وهي علم غزير يؤهل صاحبه لأن يقضي عمره مهما طال ليفيد الناس بهذا العلم!!

وابن عباس كذلك الذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالفقه وعلم التأويل حريٌ به أن لا ينصرف عن أسباب هذه الدعوة!

ولقد مرّ معنا نهي ابن عباس الناس عن سؤال أهل الكتاب - كما سيأتي بيانه عند ذكر أدلة المانعين - فكيف ينهى عن شيء ويُقدم عليه؟ ذلك أمر لا يتناسب مع الخلق والدين لإنسان عادي؛ فضلا عن ان عباس ترجمان القرآن وحبر الأمة " اهـ.

عن كتاب التفسير أساسياته واتجاهاته، ثم يسوق الشيخ حفظه الله تعالى شيئا من الروايات المشهورة فيها رواية ابن عباس عن أهل الكتاب، وينقل إثرها تفنيد الشيخ أحمد شاكر رحمه الله لها.

نعم، إن الناظر إلى ما رواه البخاري من نهي ابن عباس الشديد عن سؤال أهل الكتاب ليوقن أن ما روي من أنه رضي الله عنه قد أخذ شيئا عنهم أمر لا يصح بحال.

ثم لا بد من بيان أمر آخر، وهو أنه إن قامت النصوص القرآنية والنبوية ببيان تحريم شيء أو إباحته فلا حجة دون كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

إذا انتهينا من مناقشة أدلة الفريق الأول، فإنه يجدر بنا أن نبادر إلى بيان أدلة الفريق الثاني الذي يرى في الأخذ عن الإسرائيليات المسكوت عنها محظورا شرعيا، فأقول - وبالله التوفيق:

استدل هؤلاء بأدلة أهمها:

1 - قول الله تبارك وتعالى: (فلا تمار فيهم إلا مراءً ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا) الكهف.

ووجه الدلالة: النهي عن سؤال أهل الكتاب عن شيء مما يتعلق بقصة أهل الكهف، ولكن ما جاء في القرآن هو الفيصل الحق الذي يجب الوقوف عنده، وإذا كان النهي واردا في أهل الكهف، فإن القياس ولا شك يوجب دخول بقية القصص والأخبار، إذ لا قائل بالفرق، والله أعلم.

2 - الدليل الثاني الذي استدل به المانعون من تفسير القرآن بالإسرائيليات ما رواه الإمام البخاري في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا .. ) الآية.رواه البخاري في كتاب التفسير من صحيحه الجامع.

ووجه الدلالة منه:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير