تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والآن نسأل: هل خُلق الكون؟ الإجابة عن هذا السؤال هي من مسئوليتك أنت، لأنّه لا بد أن تنظر إلى الكون وفي الكون حتى تحصل على الإجابة. ولستَ بحاجة إلى أن تسأل أحداً عن ذلك، فمن السخافة أن نسأل عن إمكان وجود فنان من وراء اللوحة البديعة، لأنّ الإجابة تقدمها لك اللوحة نفسها، فعندما تنظر إليها يسهل عليك أن تجد الإجابة، بغض النظر عن خبرتك أو مستواك العقلي أو العلمي. لذلك فإنّ من أعجب العجب أن يطلب الملحد دليلاً وإثباتاً على وجود الخالق.

كيف خلق الكون؟ إنّ البشريّة منذ وجدت وإلى يومنا هذا وهي تنظر في الكون في محاولة لمعرفة كيف خلق، وإنّ تطور العلوم كان نتيجة لهذه المحاولات. وقد قدّم الدين للإنسان الإجابات عن بعض كيفيّات الخلق، فالقرآن الذي حث البشر على أن ينظروا في كيفيّة الخلق:" قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق"، هو الذي قدّم لهم بعض المعارف المتعلقة بأصل الوجود، مثل:" ثم استوى إلى السماء وهي دخان"، ومثل:"أولم ير الذين كفروا أنّ السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي". واللافت أنّ آلاف السنين لم تكن كافية للإنسان حتى يلم إلماماً واسعاً بكيفيّة الخلق، ولا يزال الإنسان يحاول ذلك، وهو ينجح كل يوم ولكنه لا يزال يجهل الحقيقة.

لماذا خلق الله الكون؟

هذا السؤال لا يمكن أن نحصل على إجابة عنه من خلال النظر في الكون، لأنه يتعلق بأمر ما سبق الوجود، فكما سبقت فكرة الزمن وجود السّاعة لا بد أن تسبق فكرة خلق الكون وجوده الفعلي. من هنا لا يتوقّع أن يعطي العلم الإجابة عن هذا السؤال، لأنّ العلم يبحث في الوجود، وسؤال (لماذا) يبحث فيما قبل الوجود. والإجابة لا تكون إلا عند الخالق، لأنّه وحده الحكيم الذي أراد أن يخلق قبل أن يخلق. وعليه هل نجد في الوحي إجابة عن هذا السؤال؟

في الواقع لا نلحظ أنّ هناك إجابة. وقد يرجع ذلك إلى أمور منها:

1. مجال تفكير الإنسان وحدود علومه هو الكون المخلوق، والسؤال هنا يتعلق بأمر كان قبل الوجود.

2. لا يزال الإنسان قاصراً عن فهم حقيقة الكيفيّة فأنّى له أن يفهم ما هو أكبر؟!

3. قد تكون المسألة من المسائل التي لا يطيقها العقل البشري. ومن البدهي أن يكون علم الخالق فوق علم المخلوق، وحكمته فوق حكمته. بل إننا نلحظ بوضوح تفاوتاً كبيراً في القدرات بين البشر أنفسهم. وعليه لا نتوقّع من الطفل الصغير أن يدرك الحكمة من وراء بعض تصرفات الآباء والأمهات. وقد وجدنا بالتجربة أنّ الإجابة عن السؤال المشهور: من خلق الخالق؟ هي أسهل عندما يكون السائل مثقفاً ذكياً، ولكن إذا سأل هذا السؤال طفل صغير نجد أنفسنا عاجزين عن أن نقدم له الإجابة التي يقتنع بها الكبار.

4. من السهل أن يجيب الإنسان عن سؤال هل؟، ومن الممكن أن يجيب عن سؤال كيف؟، وهذا يكفي لخلافته ولأداء وظيفته في الأرض. ولكن من قال إنّ الإنسان قد خُلق للدنيا، فمعلوم أنّ الدنيا تزول؛ إمّا بموت الناس، أو بزوالها يوم القيامة. من هنا لا معنى ظاهراً ولا حكمة بيّنة لوجود الإنسان في الأرض لمدة محدودة من الزمن، حتى لو بلغت مليارات السنوات، لأنّ النهاية تجعل البداية غير ذات معنى، والخلود فقط هو الذي يعطي البداية معناها، ومعلوم في الدين أنّ الآخرة هي دار الخلود. وعليه فالآخرة فقط هي التي تعطي الدنيا معناها. وقد ورد في الأثر الذي معناه صحيح:"خُلِقت الدنيا لكم وخلقتم للآخرة". وعليه لا إجابة دنيويّة حول الغاية النهائيّة لخلق الوجود والإنسان، ولكن هناك إجابة واضحة عن وظيفته الدنيويّة وعلاقة هذه الوظيفة بالمصير الأخروي الأبدي.

ليس بالضرورة أن تكون الإجابات كلها دنيويّة، وإلا فبماذا تتميّز الآخرة عن الدنيا؟! ولا مجال لعالم المحدودات والنهائيات أن يجيب عن أسئلة تتعلق بعالم اللانهائيات. وهذا من أهم الفروق بين الدنيا والآخرة.

هذا المقال يخاطب أهل الإيمان، أمّا غير المؤمنين من الماديين فلا يعنيهم مثل هذا الأمر، لأنّ الحياة في فلسفتهم مجرد صُدفة وبالتالي لا يوجد عندهم شيء له معنى، والحكمة منتفية من الوجود كله. ولا ندري لماذا يعيشون!! ا. هـ

ـ[محبة القرآن]ــــــــ[10 Feb 2009, 09:52 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير