تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

- وأن يكون له شاهد شرعي نصاً أو ظاهراً يشهد لصحته من غير معارض وذلك لأنه إن لم يكن للتفسير الإشاري شاهد في محل آخر أو كان له شاهد لكن له معارَض صار دعوى تدعي على القرآن من غير دليل، والدعوى التي لا دليل عليها مرفوضة باتفاق العلماء.

- لا يدعى أن التفسير الإشاري هو المراد وحده دون الظاهر، بل لابد أن تعترف بالمعنى الظاهر أولاً، إذ لا يُطمع في الوصول إلى الإشارة قبل إحكام فهم العبارة " فإن من ادعى فهم أسرار القرآن ولم يحكم التفسير الظاهر فهو كمن ادعى البلوغ إلى صدر البيت قبل أن يجاوز الباب "!

- وألا يكون تأويلاً بعيداً سخيفاً ([8] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn8)) .

وتكمن إشكالية هذه النظرية التي اعتمدها الشعراوي في مدى دقة الموازنة بين الذات وبين الموضوع، كما تكمن أيضاً في ندرة وجود المفسر الذي يجمع بين العلم الراسخ، وبين الربانية الصافية، فكما أن للذات حقها في جانب الاستغراق في النص والتفكر فيه والشعور بحلاوته، بحيث لا يصل إلى ما يتصادم مع مجمل ما جاء به القرآن، فكذلك للموضوع أيضاً حقه في التزام مدلوله اللغوي، وحدوده الشرعية والتزام أبعاد معانيه ومدلولاته، بحيث لا يتجاوزها فيشطح، وبقدر هذا التوازن يكون الاستقرار والثبات والسلامة، وذلك لأن الذات إذا طغت على الموضوع خرج عن نطاقه إلى نطاق التفسير الصوفي الذي يعتمد على الأوهام أكثر من اعتماده على الحقائق الشرعية، وإذا طغى الموضوع على الذات خرج عن نطاق التذوق إلى نطاق التفسير العلمي، وضاقت جوانب جذبات النفس وارتباطها بالنص، وأصبح المفسر والنص كتلتين منفصلتين لا تمازج بينهما ولا تجاذب ([9] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn9)). فالإشكالية تكمن في ندرة وجود المفسر الذي يوازن بين الذات والموضوع بهذه الدقة المتناهية.

ومع الإقرار بأن لكل مسلم تذوقاً خاصاً حينما يقرأ القرآن أو تتلى عليه آياته- إذ التذوق حركة نفسية وانطباع ذاتي لا يملك الإنسان له رداً، ولا يستطيع له منعاً بل لابد أن يظهر أثره في خلجات سامعه وسكناته شاء ذلك أم أبي على اختلاف بين المسلمين، فمنهم من يفيض دمعه، ومنهم من يقشعر جلده، ومنهم من يلين قلبه - ومع الإقرار بأحقية كل مسلم في ممارسة هذه الأحوال النفسية؛ إلا أن هذه الأحاسيس لم تتجاوز محيط التأثر الذاتي، فلم يترجمها أحد أحرفاً على الورق يفيض بها ذوقه السامي ويسطرها قلمه معالم يهتدي بها من قصر باعه، وخلت بضاعته فلم يتذوق النص أو لم يستطع التعبير عنه، وذلك أمر ربما يعود إلى انقطاع الصلة بين القيم الشعورية والقيم التعبيرية ([10] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn10)).

ومن هنا كان هذا النوع من التفسير أقل اتجاهات التفاسير ثراءً بل وجوداً، فالباحث غالباً لا يكاد يعثر على نماذج كثيرة في جهود المفسرين المحدثين تتخذ التذوق وحده رائداً في التفسير ([11] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn11))، وتلك إشكالية أخرى يعيشها منهج الموازنة بين الذات والموضوع.

ونتيجة لاتصاف القرون الأولى بقوة الإيمان، ورقة القلب، الأمر الذي أدى إلى غلبة اللطائف الرقائقية والإشارات الوعظية على نظرية الخواطر في التفسير " فقد صبغت هذه النظرية بالصبغة الصوفية، وأطلق عليها التفسير الإشاري كانعكاس للبيئة التي كان يحياها التفسير آنذاك، وصار اسم التفسير الإشاري ملازماً وملتصقاً بالخواطر القرآنية، غير أن الأمر قد تغير في واقعنا المعاصر، فتناقصت خيرية القرون المتتابعة واستشرى الفساد، واستبدلت الشرائع، ورق الدين وضعف أثره في قلوب كثيرين، الأمر الذي انعكس على الخواطر الإيمانية لدى مفسر هذا الزمن، فصار حديث نفسه: كيف يعالج بهذه الخواطر ما وصلت إليه أمته؟ فجاء سيد قطب بخواطره " في ظلال القرآن " ومن بعده الشعراوي في خواطره حول القرآن ".

وقد أجاد سيد قطب الموازنة بين ذاته وبين موضوع القرآن، ولكن دون أن يكون ذلك صادراً عن فكر متصوف، فتجردت هذه النظرية التفسيرية – ولأول مرة – من جبتها الصوفية لترتدي جبة الواقعية والحركية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير