ونريد بالتفسير الإشاري المعنوي: التفسير المرتبط بإشارة المعنى العام للآية أو السورة، وهي الدلالة على معنى آخر يستبطن المعنى الإجمالي. فهماً يؤتيه الله من يشاء من عباده لا يخالف نصاً ولا يجافي لفظاً ولا يجاوز معنى حقاً، ومن هذا النوع ما سبق ذكره من استدعاء عمر لابن عباس في مجلسه مع شيوخ بدر … رضي الله عنهم .. كل هذه المعاني باطنة لا تخالف المعنى الظاهر للآية ولاتنتهك نطاق لفظه ولا حدود معانيه، فكان القبول لها حليفاً.
ونريد بالتفسير الإشاري اللفظي: التفسير المرتبط بإشارة لفظة خاصة يستدل بها على معنى آخر يستبطن معناها في سياقها العام، ومن هذا النوع من التفسير ما استدل به العز بن عبد السلام على صحة أنكحة الكفار من قوله تعالى (وامرأته حمالة الحطب) ([16] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn16)) ، ومنه أيضاً ما استدل به المفسرون من قوله تعالى
(وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) ([17] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn17)) بأنه " عبر عنه بهذه العبارة؛ إشارة إلى جهة وجوب المؤن عليه؛ لأن الوالدات إنما ولدن للآباء، ولذلك ينسب الولد للأب دون الأم " ([18] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn18)) . هذا هو التفسير، بل يستمد مقوماته من النص الماثل أمامه من غير تحريف ولا تأويل خارج عن حدود الدين واللغة، وهو الذي تدل عليه النصوص والأدلة التي استدلوا بها لصحة التفسير الإشاري؛ إذ هذا هو ما تدل عليه، أما النوع الذي يجب أن نفرق بينه وبين التفسير الإشاري فهو التفسير الرمزي، وهو التفسير الذي سلكه الصوفيون، وهم يحسبون أنهم يسلكون الأول وما هم بسالكيه، ذلك أن التفسير الرمزي تفسير صوفي يعتمد - في سبيل الوصول إلى المعرفة - على منهج قوامه الوجد والذوق والترقي في مقاماتهم حتى يصل المتصوف إلى مقام العرفان، فتفيض عليه – بزعمهم- مكنونات العلم وأسرار المعرفة جملة الأمور إليه، بحيث لا يسقط ورق من شجر إلا بإذن وكتاب وأجل منه، وليس وراء هذه مقام ومرتبه ([19] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn19)).
وبذلك نستطيع القول إن تفسير الشعراوي – في مجمله – لا يخرج عن كونه تفسيراً اعتمد على الخواطر القائمة على الموازنة بين ذات الشعراوي - التي عاشت مع القرآن وذاقت حلاوته، وتدبرت معانيه آناء الليل، وأطراف النهار وبين القرآن حتى فتح الله عليه بخواطر وإيمانيات وإشارات معنوية ولفظية
لا تخالف نصاً ولا تجافي لفظاً ولا تجاوز معنى حقاً، بل كان – رحمه الله – يحرص حرصاً شديداً على أن تكون خواطره ولطائفه دائرة في فلك القرآن والسنة لا تخرج عن إطارهما وتدور معهما حيث دارا، وإن كان للشيخ شطحاته وتجاوزاته التي ذكرناها في موضعها ورددنا عليها.
ولكن هل ألزم الشعراوي نفسه بمنهجه الذي رسمه لنفسه، وأقر به في بداية تفسيره وهو أن كلامه في القرآن ليس تفسيراً وإنما هو " خواطر وهبات صفائية ربانية تخطر على قلب مؤمن في آية أو بضع آيات"؟ ([20] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn20)) ، أو بمعنى آخر هل كان تفسير الشعراوي تفسيراً ذوقياً رقائقياً؟ أم أنه اشتمل على ألوان أخرى من مناهج التفسير وألوانه ومدارسه؟ في الواقع أن تفسير الشعراوي لم يكن كله خواطر وهبات صفائية وإشارات روحانية كما قال الشعراوي صحيح أنه بدأ كلامه عن التفسير، وهو يحرص حرصاً شديداً على أن تكون مسيرته مع القرآن مسيرة خواطر وإيمانيات وسبحات ربانية لاحت لرجل عاش مع القرآن طيلة عمره يتفكر في آياته، ويتدبر معانيه، ويتشوق إلى فضائله، وبركاته، ولكن سرعان ما وجدنا الشعراوي يتوسع في تفسيره لتتلاشى الخواطر ويحل مكانها النزعة اللغوية والبلاغية والاجتماعية ليخرج بذلك التفسير عن دائرة " الخواطر " إلى دائرة " التفسير الموسوعي " الذي يشتمل على كل ألوان التفسير ونماذجه، وله أسسه التي يقوم عليها.
([1]) تفسير الشعراوي 1/ 9.
([2]) انظر: التفسير والمفسرون للذهبي ص2/ 91.
([3]) اطلق اسم " التفسير الذوقي الانطباعي " على هذا المنهج د. عفت الشرقاوي في كتابه " الفكر الديني في مواجهة العصر " ثم سار عليه د. فهد الرومي في كتابه " بحوث في أصول التفسير ومناهجه " ص111، وكذلك الخالدي في كتابه الشهيد الحي ص185.
([4]) التفسير والمفسرون للذهبي 2/ 353.
([5]) كما عرفه د. صبحي الصالح بأنه " التفسير الذي تؤول به الآيات على غير ظاهرها مع محاولة الجمع بين الظاهر والخفي " انظر: مباحث في علوم القرآن 296.
([6]) التفسير والمفسرون للذهبي 2/ 45.
([7]) كتاب التفسير باب (إذا جاء نصر الله والفتح) ح4970.
([8]) انظر: الموافقات للشاطبي 3/ 394، مناهل العرفان للزرقاني 2/ 81، وعلوم القرآن الكريم، د. نور الدين عتر 99 ومباحث في علوم القرآن، د. صبحي الصالح ص296، ومباحث في علوم القرآن، د. فهد الرومي 220.
([9]) بحوث في أصول التفسير ومناهجه، د. فهد الرومي 112.
([10]) المرجع السابق ص111.
([11]) الفكر الديني في مواجهة العصر، د. عفت الشرقاوي ص338.
([12]) د. عفت الشرقاوي في كتابه " الفكر الديني في مواجهة العصر " ص335، ود. فهد الرومي في كتابه " بحوث في التفسير وأصوله " ص111.
([13]) التفسير والمفسرون للذهبي 3/ 12.
([14]) المرجع السابق 3/ 18.
([15]) اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر، د. فهد الرومي 1/ 407.
([16]) سورة المسد الآية 4.
([17]) سورة البقرة الآية 233.
([18]) تفسير القاسمي للقاسمي 3/ 610.
([19]) دراسات في التفسير، د. السيد أحمد خليل 127.
([20]) تفسير الشعراوي 1/ 9.