تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هذه هي أساليب الأعداء يا عباد الله، وذاك هو موقفهم من القرآن، ولن يتغير؛ ووالله لو وجدوا غير ذلك لما ادخروا وسعاً .. فحين أعيتهم الحيلة لجؤوا إلى هذه الأساليب الوضيعة التي لا تدنّس إلا سمعتهم، ولا تحط إلا من أقدارهم.

ومن أعاجيب قضاء الله وأمره .. أنهم في كل مرةٍ يقدمون دليلاً جديدًا على أن الله جلت قدرته هو وحده الحافظ لهذا القرآن العظيم .. أما قال جلت قدرته: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، تأملوا يا عباد الله: سبع كلمات يجتمع فيها ما يقرب من عشر مؤكدات: "إنَّ" و"ن" الخطاب وألفها .. الدالتين على العظمة والقوة، و"نحن" الدالة على الجمع للتفخيم وعلى التوكيد والحصر أي: نحن وليس غيرنا، "نزلنا" صيغة مبالغة من "أنزلنا" فهي أبلغ وأوكد، ثم "ن" الخطاب وألفها مرة ثانية ولكن هذه المرة مع الجمع للتفخيم .. الدال على القدرة والعظمة، ثم أختار من أسماء القرآن "الذكر" .. وفي ذلك ما يشعر بأنه رفيع القدر عالي المكانة .. ثم تكرار لـ"إنا" وبعدها "له" ضمير يعود على القرآن .. ثم لام التوكيد في "لحافظون"، فكل هذه المؤكدات المتتالية تمنح المؤمنين ثقة وطمأنينة بحفظ الله لهذا الكتاب العزيز. الحفظ الشامل الكامل .. العام التام،

فعلى سبيل المثال حين نزل القرآن منجّمًا حسب الحوادث، لم يوكل أحداً ليجمعه بل تولى ذلك بنفسه تبارك وتعالى قال تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}، فالمولى جل وعلا هو الذي تكفّل بجمع القرآن وتكفل بحفظه وتكفل بطريقة قراءته وتكفل ببيانه وتوضيحه، وتلك بعض صور الحفظ الشاملة التي تجعل المسلم اليوم يقرأ القرآن وهو مطمئنّ أنه يقرأه غضاً طرياً، كما كان يقرؤه المصطفى صلى الله عليه وسلم ..

وبعد كل هذه الضمانات من الحفظ فلن يجرؤ أحد على مغالبة هذا الكتاب إلا سفيه أو معتوه، قد حكم على نفسه بالسقوط والهوان. {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} .. فهذا القرآن سيبقى عزيزًا مكرمًا رغم أنوف الأعداء، ولن يستطيع أحد أن ينال منه شيئاً؛ لأن القرآن قد انتصر في معركته مع جميع أعدائه وعلى جميع الأصعدة والأزمنة، انتصر بنصّه فلم يتغيَّر ولم يتبدّل، وانتصر بآياته وعلمه {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} وانتصر بنوره وهديه فما زالت القلوب تهفو إليه، وما زال تأثيره يزداد وشأنه يعلو ويصعد ..

يا أيها الكرام، تأملوا معي هذا المثل: لو أنّ الناس كلهم انقلبوا إلى كناسين لتراب الأرض ليلوّثوا به صفحة السماء النقية أو يلطخوا به وجه الشمس البهية، فلن يغبّروا إلا على رؤوسهم، ولن يؤذوا إلاّ أنفسهم وأنفاسهم، {يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} ..

وما مثل هؤلاء الحاقدين الصاغرين والقرآن إلا كمثل ذباب أحمق زعم أنه يريد أن يقتل صقراً، فلما أقترب منه جاءته قصفة من طرف ريشة من أطراف جناح الصقر فشتت أوصال الذباب وجعلته شذر مذر .. وما علم به الصقر ولا شعر بوجوده من أصله ..

فاطمئن أيها المؤمن بربه، فهم الذين سيزدادون صغارًا على صغارهم وذلاً على ذلهم، وسيزداد القرآن وأهله سموا وعلوا ..

إلا أن علينا واجباً عظيماً تجاه القرآن الكريم .. فلنتقي الله ونؤديه على الوجه المطلوب .. فوالله ما تطاول عليه الأعداء إلا لما ضعف قدره عند أهله، فاحذروا أن يكون أحد منا قد تسبب في ذلك.

أولا يوجد من المسلمين اليوم من لا يُنزل القرآن منزلته اللائقة به؟! فهو لا يقرؤه، ولا يعمل به، ولا يعيره أدنى اهتمام، يهمله إهمالا كاملا، وربما أكثر من ذلك ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير