الكثير من شباب الأمه مما لا نزكيهم على الله ولكننا نحسبهم أنهم ماخرجوا إلا ابتغاء رضوان الله والشهادة في سبيله فنسأل الله جل وعلا أن يغفر لهم ويرحمهم وأن ينزلهم في أعلى المنازل وأن يمن على من بقي منهم بالعافيه والسلامه ...
ـ الجزاء من جنس العمل قد يكون دنيويا قبل الأخره فإن عثمان رضي الله تعالى عنه دخل عليه الخوارج في بيته وهو أفضل أهل زمانه رضي الله عنه وأرضاه ولرحمة في قلبه منع الناس من المهاجرين والأنصار أن ينصروه ولم يأذن لأحد أن يحمل سلاحه على الخارجين عليه فدخل عليه أولئك المنافقون حتى قتلوه ثم وجدوا في بيته صندوقا مختوم ففتحوه فوجدوا فيه هذه وصية عثمان
بسم الله الرحمن الرحيم
"عثمان بن عفان يشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن النبيين حق وأن الجنة حق وأن النار حق عليها يحيا وعليها يموت وعليها يبعث إن شاء الله تعالى "
وجه الشاهد: ـ أن هؤلاء قتلوا عثمان فأخبر الصحابه بما كان من هؤلاء الخوارج فلما بلغ سعدا رضي الله تعالى عنه ذلك قال رضي الله عنه وأرضاه تلى الآيه (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا *الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) ثم قال اللهم اندمهم ثم خذهم أي أورثهم الندم ثم خذهم قال بعض السلف: والله الذي لا إله غيره مامات أحد من قتلت عثمان إلا مقتولا فكل من شارك في قتل عثمان أدركه القتل على غير يدي عثمان ومات مقتولا جزاء وفاقا والجزاء من جنس العمل.
ـ من الناس جعلنا الله وإياكم منهم من يسمع الأذان للصلاة الفجر فيخرج في الظلمات ولا عبرة بالأضواء لأن العبره بحقيقة الوقت فيخرج في الظلمات إما على قدميه أو على دابته لا يبتغي إلا الأجر من الله يحتسب عند الله جل وعلا صلاة الفجر حتى يكون صباحه مقرونا بالخير لسجدة لله جل وعلا ويمشي إلى صلاة العشاء في الظلمات فهؤلاء الجزاء من جنس العمل يقول صلى الله عليه وسلم وهو الصادق والمصدوق (بشر المشائين بالظلم بالنور التام يوم القيامه) وما أحوج الناس يوم يقوم الأشهاد ويحشر العباد إلى نور يستعينون به في عرصات يوم القيامه فإن الغدو والرواح والمشي والذهاب في عرصات يوم القيامه لا يعتمد على قوة الأبصار وإنما يعتمد على ما يعطيه الله جل وعلا عباده من نور (يَوْمَ تَرَى المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَالْفَوْزَ الْعَظِيمُ) هذه أيها المؤمنون بعض النماذج الداله على أن الجزاء من جنس العمل.
ـ فإذا تبينت هذه الدلالة القرآنيه لنا كان حقا علينا أن نتقي الله في غدونا ورواحنا وأن ينظر أحدنا في مسالكه وتعامله مع العباد فإن الأيام دول والدهر ذو عبر ولا بد من وقوف بين يدي الله جل وعلا فلا يغرنك يا أخي غناك أن تستكبر على من كان أفقر منك ولا يغرنك يا أخي منصبك وجاهك على أن تستضعف من هو دونك ولكن العاقل يعلم أن الله جل وعلا لايضيع شيئا عنده.
ازرع جميلا ولو في غير موضعه
إن الجميل جميل حيث مازرع
إن الجميل ولو طال الزمان به
فليس يحصده إلا الذي زرعه
ـ يروى أن البرامكه كما تعلمون كان لهم شأن عظيم في دولة بني العباس وقرب الرشيد آل برمك حتى أصبحوا أثراء لديه فنجم عن ذلك غناهم وعلوا كعبهم وطاعت الناس لهم وكان أحدهم رجلا صالحا يملك بستانا يفئ إليه فدخل الرشيد ذات يوم ومعه وزيره جعفر البرمكي دخل القصر يمضيان فيه سحابة يومهما فلفت نظرهما ثمرة في شجرة عاليه فقال الرشيد لجعفر إرقى على كتفي وأتنا بتلك الثمره قال بل أنت يا أمير المؤمنين إرقى على كتفي فقال الرشيد لا بل إفعل ما أمرك به فارتقى جعفر على كتف الرشيد والرشيد أمير المؤمنين وقطف الثمره وصاحب المزرعه ينظر إليهما متعجبا مما يراه فلما خرجا قال الرشيد لصاحب البستان إنني أمضيت في هذا اليوم سحابة في مزرعتك هذه سحابة يومي فاطلب مني ماشئت فقال ياأمير المؤمنين إعفني قال عزمت عليك أن تفعل فقال ياأمير المؤمنين أكتب لي كتابا فيه أنني برئ من البرامكه بخط يدك فتعجب الرشيد وتعجب جعفر لكن الرشيد مع إلحاح الرجل كتب للرجل ما أراد ثم مضى فماهي إلا يومان أو ثلاثه ونسي ماكتب لأنه أمير المؤمنين مشغول بغير ذلك مضت الأيام توالت الأعوام ثم تغير الرشيد على البرامكه كما يعرف تاريخيا "بنكبة البرامكه" فأمر بقتل بعضهم وحبس آل برمك أجمعين فذهب الحرس والجنود إلى ذلك الرجل فقتادوه فقال أدخلوني على أمير المؤمنين فلما أدخلوه أخرج الورقه من جيبه وقال يا أمير المؤمنين لقد كتبت لي عهدا بخط يدك أنني بريء من البرامكه فتعجب الرشيد منه وقال ياهذا ماحملك على ما صنعت قال يا أمير المؤمنين والله مارأيت جعفرا قد وصل إلى أن يرقى على كتفك إلا علمت أنه سيسقط لا محاله.
ـ فكلما على شأن الإنسان وبلغ ذروة الإستغناء البشري دل ذلك على قرب زواله إن كان ذلك بموت أو كان ذلك بحادث يزيله عن مقامه ولذلك قال الله جل وعلا (حَتَّى إذَآ أَخَذَتِ الأرْضَ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَآ أَمْرُنَ لَيْلاً أَوْ نَهَاراً) فالعاقل يعلم أن الله جل وعلا مطلع عليه وأن الأيام دول بين الناس ولا يقدم إلا ما يسعده أن يراه في آخرته ولا يتعامل مع الناس إلا بما يحب أن يعاملوه الناس به وإذا دعتك قدرتك إلى ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك وأنه هو أضحك وأبكى وأنه هو أمات وأحيا لا إله إلا هو يحكم مايشاء ويفعل مايريد.
¥