هذا بحث لم يكتمل، آمل أن يفيد في جواب السؤال من جهة أخرى.
هل كان لقمان عبداً مملوكاً؟
لم أقف على خبر تقوم به الحجة على ذلك، وإنما رويت في ذلك آثار عن ابن عباس، وعمرو بن قيس السكوني، وخالد بن باب الربعي، وسعيد بن المسيب، ومجاهد.
فأما ماروي عن ابن عباس، فلا يصح عنه
-أخرج ابن جرير من طريق سفيان بن وكيع عن أبيه عن سفيان عن أشعث عن عكرمة عن ابن عباس قال: (كان لقمان عبداً حبشياً).
وسفيان بن وكيع متروك الحديث، قال ابن حجر في التقريب: (كان صدوقاً إلا أنه ابتلي بوراقه فأدخل عليه ما ليس من حديثه فنصح فلم يقبل فسقط حديثه).
وأما أثر خالد الربعي فرواه الإمام أحمد في الزهد وابن أبي شيبة في مصنفه وابن جرير كلهم من طريق وكيع بن الجراح عن أبي الأشهب العطاردي عن خالد الربعي قال: (كان لقمان عبداً حبشياً نجاراً).
وخالد بن باب الربعي من أصحاب شهر بن حوشب، عرف بالتحديث بالإسرائيليات، قال عنه ابن معين: ضعيف، وقال ابن أبي حاتم: ترك أبو زرعة حديث خالد بن باب الربعي ولم يقرأ علينا.
وأما مجاهد فروي عنه ذلك من طريقين:
الطريق الأول: حكام الرازي عن سعيد الزبيدي عن مجاهد قال: (كان لقمان عبداً حبشياً غليظ الشفتين مصفح القدمين قاضياً على بني إسرائيل). أخرجه الإمام أحمد في الزهد وابن جرير
وحكام بن سلم الرازي وثقه إسحاق بن راهويه وابن معين وجماعة، وقال الدارقطني: لا بأس به.
وسعيد بن عبد الرحمن الزبيدي قاضي الري في زمانه، قال عنه البخاري: لا يتابع في حديثه، ووثقه أبو داوود، وقال ابن حبان: يروي المقاطيع.
الطريق الثاني: يحيى بن عيسى عن الأعمش عن مجاهد قال: (كان لقمان عبداً أسود عظيم الشفتين مشقق القدمين) رواه ابن أبي شيبة وابن جرير.
ويحيى بن عيسى الرملي مختلف فيه، قال عنه ابن معين: ليس بشيء، وقال أيضاً: لا يكتب حديثه، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال أحمد: ما أقرب حديثه، ووثقه العجلي، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه.
وأما سعيد بن المسيب فمن طريقين:
الطريق الأول: العباس بن وليد عن أبيه عن الأوزاعي عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب أن لقمان الحكيم كان أسود نوبياً ذا مشافر، رواه ابن جرير.
- الوليد بن مزيد ثقة مقدم في الأوزاعي، ولكن عبد الرحمن بن حرملة مختلف فيه.
الطريق الثاني: سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: كان لقمان الحكيم أسود من سودان مصر). رواه ابن جرير، وليس فيه ما يقتضي أنه مملوك.
وأما عمرو بن قيس
فروى ابن جرير عن ابن حميد عن الحكم عن عمرو بن قيس قال: (كان لقمان عبداً أسود غليظ الشفتين مصفح القدمين).
وعمرو بن قيس تابعي.
قال ابن حجر في فتح الباري: (وفي المستدرك بإسناد صحيح عن أنس قال: كان لقمان عند داود وهو يسرد الدرع فجعل لقمان يتعجب ويريد أن يسأله عن فائدته فتمنعه حكمته أن يسأل.
وهذا صريح في أنه عاصر داود عليه السلام، وقد ذكره بن الجوزي في التلقيح بعد إبراهيم قبل إسماعيل وإسحاق، والصحيح أنه كان في زمن داود، وقد أخرج الطبري وغيره عن مجاهد أنه كان قاضيا على بني إسرائيل زمن داود عليه السلام).
والتحريف في كتب بني إسرائيل كثير ولا سيما ما يتعلق بداوود وسليمان عليهما السلام، فالذي يظهر لي شيوع خبر إسرائيلي زمن التابعين عن لقمان أنه كان عبداً مملوكاً؛ فلذلك وقعت الرواية فيه عن أكثر من واحد.
والبحث لا زال بحاجة إلى مزيد تحرير، والله تعالى أعلم.
ـ[خليل الفائدة]ــــــــ[01 Oct 2010, 11:15 ص]ـ
ألا يمكن أن يكون المقصود عبداً (أي ليس بنبيّ)؛ دفعاً لتوهم قد يحصل لقارئ القرآن أنه نبيّ؟
ـ[عبدالعزيز الداخل]ــــــــ[02 Oct 2010, 04:07 م]ـ
ألا يمكن أن يكون المقصود عبداً (أي ليس بنبيّ)؛ دفعاً لتوهم قد يحصل لقارئ القرآن أنه نبيّ؟
إذا قيل: كان عبداً صالحاً ولم يكن نبياً، ونحو ذلك من العبارات لم يفهم منه أنه عبد مملوك لظهور دلالة السياق على أن المراد دفع وصفه بالنبوة.
أما إذا قيل: كان عبداً حبشياً، أو كان عبداً نوبياً، أو كان عبداً نجاراً، أو كان مولى، ونحو ذلك، فظاهر هذه العبارات يدل على أن المراد أنه عبد مملوك.
وأما إذا قيل: كان أسود، أو كان من السودان، ونحو هذه العبارات التي وردت في بعض الآثار لم يكن في ذلك ما يقتضي أنه عبد مملوك.
ـ[عمر المقبل]ــــــــ[02 Oct 2010, 04:43 م]ـ
ـ أما "نوادر" الحكيم الترمذي فكن منها على حذر، فإن الكتاب من مظان الموضوعات والأحادث التالفة.
ـ لو قيل بصحة كونه عبداً، فتخريج ما استشكله محمد براء: أن بعض الناس قد تتحرك في نفسه دواعي الكبر والتبختر لأن أباه على منزلة عليّة، ومرتبة سنيّة ـ وهذا ملاحظ في أبناء الملوك والتجار والوزراء (والشاذ لا حكم له) فقد يكون لقمان خشي على ابنه من تحرك هذا الداعي عنده لما حبا الله أباه من علوم وحكمة، والله أعلم.